الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / تعاهد القرآن

كذلك أوصيكم بقراءة القرآن, أوصيكم بتلاوته كما أمرنا الله تعالى في قوله: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ } تلاوته: قراءته, وتدبره, واتباع ما جاء فيه, وذلك لأنه الكتاب الذي أنزله الله على قلب نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ولأنه الذي شرفت به هذه الأمة؛ حيث جعله الله شرفها وميزتها ودينها, فإذا اجتهد العباد في حفظه وتلاوته وتدبره واجتهدوا في تطبيقه والعمل به؛ كانوا بذلك من أهله. وفي الدعاء المأثور نقول: اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، فحملة القرآن والعاملون به أهل الله تعالى وخاصته, الذين اختصهم بهذه الميزة, فنحافظ عليه, من لم يقدر على حفظه يستطيع قراءته من المصحف, ومن حفظه يستطيع قراءته من حفظه, كل ذلك -والحمد لله- مما يثاب عليه العبد, ولا شك أن حفظه ميزة لمن يحفظه. كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفضلون حافظ القرآن, إذا حفظ أحدهم سورة البقرة وسورة آل عمران جلَّ في أعينهم, يعني: كان له قدر، وكان له فضل في أعينهم، يعرفون أنه حمل ما قد يشق أو يعجز عنه غيره فليحافظ عليه من وفقه الله تعالى, ذلك لأن الإنسان عنده فراغ, وعنده وقت طويل؛ فلا بد أنه يشغل وقته في حفظ ما تيسر من القرآن. كذلك نتواصى أيضا بتكرار القرآن, وبتلاوته مهما كان الوقت, كان كثير من السلف -رحمهم الله- يقومون بالقرآن في الليل, ويختمونه في قيام الليل في كل سبعة أيام, وذلك لأن الله سهل عليهم قراءته ويسرها، قال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } ذكروا أنهم يقرءونه، في كل ليلة يقرءون نحو سُبع القرآن، في الليلة الأولى يقرءون سورة البقرة وآل عمران والنساء في قيام الليل, والليلة الثانية يقرءون من سورة المائدة إلى آخر التوبة, والليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل, والليلة الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان, والليلة الخامسة من أول الشعراء إلى آخر يس, والليلة السادسة من أول الصافات إلى آخر الحجرات, والليلة السابعة من أول ق إلى آخر القرآن, يقرؤه أحدهم في عشر ركعات, ثم الوتر, أو في عشرين ركعة, وهذا دليل على اهتمامهم بالقرآن, فنتواصى بقراءته, والاهتمام به؛ حتى نكون من العاملين به, والمجتهدين في حفظه. وإذا رزقك الله تعالى حفظه, أو حفظ ما تيسر منه فنوصيك بتكراره, وتعاهده؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- { تعاهدوا هذا القرآن، والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من صدور الرجال من الإبل في عقلها } يعني: أن الذي يحفظه ثم يغفل عنه يذهب وينساه بسرعة, بخلاف ما إذا تعاهده, وكرره فإن الله يرزقه بثباته واستقراره في ذاكرته.