المكتبة النصية / افتقاد المبتدعة للسند والتأصيل العلمي
يقول: والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيا ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، لما كانوا يعتقدون هذا الرأي، كاعتقاد الرافضة نفي الصفات أو اعتقاد الرافضة صحة أو بطلان خلافة الخلفاء، واعتقاد الخوارج أيضا تخليد العصاة في النار، واعتقاد المعتزلة نفي الصفات. رأوا رأيا فحملوا ألفاظ القرآن على رأيهم، وليس لهم سلف يعني: ممن سبقهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين، لا في آرائهم ولا في تفاسيرهم. آراؤهم يعني: بدعهم، وتفاسيرهم يعني: ما تكلفوه من تحريف القرآن، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر بوجوه كثيرة، يعني للعاقل. ولو لم يكن يطالع التفاسير الأخرى, مجرد العقل يتبين أنهم حملوا الآيات ما لا تحتمله. يكون ذلك من جهتين: تارة من العلم بفساد قولهم، وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن. أقوالهم وعقائدهم فاسدة وتفاسيرهم التي حملوا بها القرآن على آرائهم فاسدة، إما دليلا على قولهم أو جوابا على المعارض لهم. يقول: ومن هؤلاء من يكون حسن العبارة فصيحا ويدس البدع في كلامه لفصاحته وقوة أسلوبه وبلاغته يدس البدع وأكثر الناس لا يعلمون، الذين يقرءون كتبهم قد لا يعلمون. مَثَّلَ بصاحب الكشاف الذي هو الزمخشري فإنه مليء بالبدع. حشا في كتابه وفي تفسيره البدع التي هي بدع نفي الصفات حتى قال فيه بعضهم: لـئن لم تداركـه مـن الله رحمة لــيرين للكــافرين مرافقــا يقول: حتى إنه يرد على خلق كثير ممن لا يعتقد الباطل من تفاسيرهم الباطلة ما شاء الله، يعني: الجهلة بدسائسهم تروج عليهم كثير من أباطيلهم ومن تفاسيرهم، مع أنه لا يعتقد الباطل. في حدود سنة اثنتين وسبعين من القرن الماضي؛ فتحت المعاهد العلمية وجيء بمدرسين من المصريين الأشاعرة، اقترحوا أن يكون المقرر في التفسير تفسير الزمخشري سيما في اللغويات، ورأوا أن هذا جيد، وأنه يدرس في الأزهر وأنه كتاب قيم، وأن فيه أسلوبا بليغا، وأنه وأنه، ولما رفع الأمر إلى المشائخ منعوا ذلك. فالشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله شدد في ذلك، ثم إن أولئك الأشاعرة الذين اشتهروا بالتدريس كانوا أشاعرة مدرسين للقرآن ومدرسين للنحو ونحو ذلك، فصاروا يثيرون أمام الطلاب مذهبهم ومعتقدهم، فيستنكر ذلك الطلاب بالفطرة، مع أن أكثرهم مبتدئون ما قرءوا في العقيدة. فرفع إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله أن بعضهم يقول: بأن هذا القول يعني: أنه قول أهل السنة. فالكلام أن القرآن ليس هو كلام الله وإنما كلام الله المعنى دون اللفظ، فألف في ذلك رسالته: الحق الواضح المستقيم، يعني بَيَّنَ فيها رحمه الله أن القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، مما يدل على أن هناك بقايا لمثل هؤلاء. يقول: وقد رأيت من العلماء المفسرين وغيرهم من يذكر في كتابه وكلامه من تفسيرهم ما يوافق أصولهم التي يعلم أو يعتقد فسادها، ولا يهتدي لذلك. .. علماء مفسرون من أهل السنة، ومع ذلك ينقلون تفاسير المعتزلة، ينقلون من كتاب الزمخشري ولا يتفطنون لما فيه، لا يتفطنون ولا يفهمون ما فيه، وهو يوافق أصول المعتزلة يعلم ويعتقد فسادها، ومع ذلك هذا الناقل لا يهتدي لذلك ولا يتفطن له. يقول: ثم إنه بسبب تطرف هؤلاء وضلالهم، تطرفهم يعني: كونهم على طرف، وكونهم ضلالا دخلت الرافضة ويسمون أنفسهم الإمامية؛ لأنهم يقولون بإمامة اثني عشر، الأئمة الاثني عشر الذين أولهم علي وآخرهم المنتظر في زعمهم الذي يقولون: إنه محمد بن الحسن العسكري الذي دخل سرداب سامراء ولا يزالون ينتظرونه من أكثر من ألف ومائتي سنة. فأئمتهم اثنا عشر، فلا يزالون على هذا المعتقد. وكذلك الفلاسفة، الفلاسفة هنا الفلاسفة الإلهيون الذين يعتقدون معتقد الفلاسفة المتقدمين من أمثال ابن سينا والفارابي ونحوهم يقول الحافظ الحكمي رحمه الله: ولا ابن سينا وفارابيه قدوتنــا ولا الذين برب الخلق قد جحـدوا ثم القرامطة وهم باطنية أتباع حمدان قرمط وكان من الذين استقروا في القطيف ونشر مذهبهم في آخر القرن الثالث، وأول القرن الرابع، ولهم تواريخ بشعة، وفيهم كتب مؤلفة، وغيرهم لما هو أبلغ من ذلك. يعني دخلوا من هذا الباب في تأويل الآيات وحملوها ما لا تحتمل، وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة، يعني: صعب تأويلهم وتحريفهم للآيات تحريفا بليغا.