المكتبة النصية / باب في وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. قال المؤلف رحمه الله تعالى في كتاب "الإيمان": باب في آيات النبي صلى الله عليه وسلم .. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة } . وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أَحَدٌ من هذه الأمة يَهُودِيٌّ ولا نَصْرَانِيٌّ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلا كان من أصحاب النَّار } . وعن صالح بن صالح الهمداني عن الشعبي قال: رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو إِنّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرّجُلِ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمّ تَزَوّجَهَا: فَهُوَ كَالرّاكِبِ بَدَنَتَهُ. فَقَالَ الشّعْبِي حَدّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَىَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكتاب آمَنَ بِنَبِيّهِ وَأَدْرَكَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتّبَعَهُ وَصَدّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَان. وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدّى حَقّ الله تَعَالَى وَحَقّ سَيّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا. ثُمّ أَدّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا. ثُمّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ } ثُمّ قَالَ الشّعْبِيّ لِلْخُرَاسَانِيّ: خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ. فَقَدْ كَانَ الرّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ . بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. صلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذه الأحاديث ما يدل على وجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتصديقه واتباعه لكل مَنْ سمع به، وكل مَنْ بلغته رسالته مِمَّنْ هو على وجه الأرض، أيًّا كانت جنسيته، أو لغته أو بلدته؛ فالكل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ففي الحديث الأول يقول صلى الله عليه وسلم: { ما من الأنبياء نبي إلا قد أُوتِي ما على مثله آمن البشر } ؛ أي كل نبي من الأنبياء، ورسول من الرسل أعطاه الله معجزات، يؤمن البشر إذا رأوها؛ فإبراهيم الخليل أحرق بالنار ولم يحترق، فهي آية ومعجزة. وموسى عليه السلام فلق له البحر، فأصبح البحر يبسا وسلكه هو وقومه، وأغرق الله آل فرعون وهم ينظرون؛ آية ومعجزة عظيمة، وكذلك ما آتاه الله من بقية الآيات. وعيسى أعطاه الله إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وإخبارهم بما يدخرون في بيوتهم، آيات ومعجزات أجراها الله تعالى على يديه حتى يعرفوا أنه مرسل من ربه. وكذلك الأنبياء قبله، فصالح أخرج الله له الناقة التي قال الله لهم: { لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } وهكذا بقية الأنبياء لا بد أن لهم آيات ومعجزات. نبينا صلى الله عليه وسلم معجزته هذا القرآن الذي أبقاه الله معجزة إلى آخر الدهر. معجزاتهم ما بقيت بعدهم، ومعجزاته بَقِيَتْ بعده. هذا القرآن، وهذه السنة لا شك أنها من المعجزات. يقول: { إنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا } ؛ يعني أن تكون أمتي أكثر الأنبياء تابعا، يعني أكثرهم أتباعا. وقد ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أُمَّتَهُ هم ثلاثة أرباع أهل الجنة، أو ثُلُثَا أهل الجنة، ولا شك أن هذا دليل على كثرة مَنِ اتَّبَعَهُ صلى الله عليه وسلم، وآمن به من الأمم. وآمن به من هذه الأمة من البشر. هذا معنى هذا الحديث { أرجو أن أكون أكثرهم تابعا } ؛ يعني أكثر من أتباع موسى ومن أتباع عيسى ومن أتباع نوح ومن أتباع شعيب ونحوهم. رسالته صلى الله عليه وسلم عامَّةٌ للبشر، عامة لِكُلِّ مَنْ بلغته، كل من كان على وجه الأرض إذا بلغته هذه الرسالة فإنه داخل فيها، ليست إلى غيرهم. ذكر بعض العلماء أنه اجتمع ببعض النصارى، فقال له: أيها النصراني، إنكم تَسُبُّون الله مسبة عظيمة! فقال: كلا والله لا نسبه! فقال: إنكم تزعمون أن محمدا كاذب، وأن الله ينصره، ويعلي حجته، ويظهر أتباعه. أليس هذا نصرا للكذابين؟!! أليس الله تعالى ظالما بذلك-في زعمكم-؟! ينصر مَنْ يكذب عليه، ويفتري عليه ويقول: إنه أرسلني وهو كاذب!! فقد تَنَقَّصْتم الله أعظم تنقص؛ حيث ادعيتم أَنَّهُ -في زعمكم كاذب- وأن الله نصره، وأيده وأظهر دينه على الأديان كلها. وأيده بهذه المعجزات، ونصر أمته، ونشر لهم سمعة حسنة، ونشر لهم قوة، وقوَّاهم في هذه البلاد؛ فمعناه أنه كاذب وهو على هذه الطريقة، فالله ينصر الظالمين في زعمكم! قال ذلك النصراني: نحن لا نقول: إنه كاذب! بل نقول: إنه رسول، ولكن هو رسول إلى العرب! ليس رسولا إلى غيرهم، ونحن لسنا من العرب، فلا ندين له، ولا نتبعه! فقال له: وهذا أيضا حجة عليكم! فإنه إذا قال: إني رسول الله إليكم جميعا، فَأَيَّدَهُ الله وأظهره على الروم، وأظهره على الفرس، وأظهره على الزنج، وأظهره على البربر، وعلى غيرهم من الدول، وهو مع ذلك كاذبٌ؟!! يكذب يقول: إني مرسل إليكم جميعا؟! فمعناه أن الله نصره وهو كاذب!! فانقطع ذلك النصراني. وهذا بلا شك وارد عليهم، في هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يقول: { والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة من يهودي أو نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار } ؛ أي أن كل من بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود ونصارى، وبربر وحبشة وزنوج وترك وصقالبة، وسائر أهل الأرض؛ فإنه يلزمهم أن يتبعوه، وأن يدينوا له وأن يصدقوه. فإذا لم يصدقوه فمعناهم أنهم ليسوا من أهل الإيمان، فيعتبرون من أهل النار. لا يكذبونه إلا دخلوا النار. من سمعوا به، وبلغتهم رسالته، ولو كانوا في أصقاع الأرض، ولو كانوا في أطراف البلاد، ولم يؤمن به فهو من أهل النار. هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم. كذلك في حديث الشعبي الذي سمعنا: أخبر، أو جاء رجل إلى الشعبي وحدثه، أو ذَكَرَ له كلاما، أن الرجل إذا اعتق أَمَتَهُ ثم تزوجها كان كالذي يُهْدِيَ بدنةً ويركبها. وكانوا يعيبون من أهدى بدنة وركبها، ويُحَرِّمُون ذلك. وذلك لأن الْهَدْيَ الذي يُهْدَى إلى البيت في قوله تعالى: { لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ } وفي قوله: { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } قد تبرعوا به لله، فلا يركبونه ولا يحلبونه، بل يتركون لبنها لولدها. ولكن إذا احتاج إليها واضطر ركبها. فهم يقولون: إن من أعتق أمته ثم تزوجها كان كالذي يهدي بدنة ويركبها. كذبهم الشعبي وروى هذا الحديث عن أبي موسى بواسطة ابنه أبي بردة يقول في هذا الحديث: { ثلاثة يُؤْتَوْن أجرهم مرتين -أي يُضَاعَفُ لهم الأجر- رجل من أهل الكتاب آمَنَ بنبيه ثم آمن بي فله أجران } يؤتى أجره مرتين إذا كان من أهل الكتاب، من اليهود أو النصارى كان على إيمان بكتابهم، متمسكين بالتوراة عاملين بها. أو متمسكين بالإنجيل حقا الذي لم يُبَدَّلْ عاملين به، ثم أدركوا رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، فله أحدهم الأجر مرتين: إيمانه السابق بنبيه وبكتاب نبيه بموسى أو بعيسى ونحوهم، وإيمانه اللاحق بمحمد صلى الله عليه وسلم. هذا دليل على أن كل من كان من أهل الكتاب يلزمهم أن يتبعوا نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يصدقوه. فإن كانوا من المتمسكين قبل ذلك بكتابهم رُجِيَ أن يضاعف لهم الأجر، وإن كانوا من المحرفين والمبدلين فتابوا كانوا كالمشركين الذين يعتنقون الإسلام، فلهم أجر كأجر هذه الأمة. هذا أحد الثلاثة. الثاني- العبد المملوك الذي أَدَّى حَقَّ مولاه، وقام بحق الله تعالى. معلوم أن عليه خدمة سيده، يخدمه يصلح طعامه، يغسل ثيابه، يحلب شاته مثلا، يُصْلِحُ متاعه، يحمل ما يحتاج إليه. يسقي حرثه إن كان ذا حرث، يرعى ماشيته إن كان ذا ماشية، يخدمه في صنعته أو في حرفته، يقوم بخدمة سيده؛ لأنه مملوك له، منافعه له. فإذا أدَّى حق سيده كاملا ولم يَشْغَلْه ذلك عن حق الله تعالى، عن ذكر ربه وعن القراءة، وعن الدعاء وعن الصلاة وعن الطهارة وعن التهجد، وعن العبادات التي هي حق الله تعالى، قام بعبادات الله كاملة، وقام بحق مواليه كاملا فله أجران؛ وذلك لأنه رضي بما قدر الله عليه، حيث مَلَّكَ رِقَّهُ لهذا الإنسان، فهو مملوك له فيقوم بحق الله، ويقوم بحق سيده، فيؤتى أجره مرتين. الثالث- رجل كانت له أَمَةٌ مملوكة ثم إنه علمها الشرع، وعلمها العلم الصحيح، وأدبها وأحسن تأديبها وأحسن تعليمها. ونَشَّأَها على الأخلاق الحسنة، وعلى العبادة، وعلى العلم وعلى الآداب الإسلامية، ولما تمت في تأديبها أعتقها. ثم رأى أيضا أَنَّ من حقها أن يتزوجها حتى يعفها، فتزوجها كزوجة لها حق الزوجية، لها القسم، ولها المهر، ولها الميراث. فصارت زوجة له، فله أجران: أجر على إعتاقها، وأجر على إعفافها وتمكينها من أن تكون كزوجة ذاتِ زوج يعطيها حقوقها. فالشاهد هو الأول، وهو أن الذين كانوا على كتابهم التوراة، أو الإنجيل-وكانوا قائمين به، يلزمهم بأن يُؤْمِنُوا بالشريعة المحمدية.