الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / الحج واكتمال شرائع الإسلام

وكان مما أنزل عليه وهو واقف بعرفة الآية التي في سورة المائدة في الآية الثالثة منها، روي أن اليهود قالوا: يا عمر يا أمير المؤمنين عمر آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود أنزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } فقال عمر لقد علمت أي يوم أنزلت؟ أنزلت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقف بعرفة في يوم جمعة، أنزلت عليه هذه الآية في يوم جمعة، ويوم عرفة وكلاهما عيد للمسلمين. أكمل الله تعالى الدين: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أي دين الإسلام، قد استنبط العلماء أنه إذا كمل أنه يدل على قرب أجل النبي صلى -الله عليه وسلم-؛ ولأجل ذلك توفي بعد ذلك بنحو اثنين وثمانين يوما أو قريبا من ذلك. فأخبر الله تعالى بأنه أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة. النعمة كملت ببيان ما نزله الله، وببيان الأحكام والشرائع التي كلفنا الله تعالى بها، فلما كملت هذه الشريعة لم يبق إلا أنه يختار الله تعالى له جواره في الرفيق الأعلى. { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أي دين الإسلام. { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } . نعم الله تعالى كثيرة، ومن جملتها إتمام هذا الدين وإكماله؛ فإنه نعمة عظيمة. { وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } ارتضى الله تعالى لنا هذا الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل دينا غيره، كما قال تعالى في آل عمران: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } . مما بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته أن هذا الإسلام يتكون من خمسة أركان، أن أركانه الإسلام خمسة، وأن منها: أداء الحج الذي هو الركن الخامس، وهو مكمل الأركان. قال العلماء: ركن الشيء جانبه الأقوى، مثل أركان المنزل؛ أي أجزاؤه وجوانبه التي يعتمد عليها؛ فإن البناء إنما يتم إذا قامت جوانبه الأربع، فلا بد من إقامتها، ركن الشيء جانبه الأقوى كأركان البيت. ويقول آخرون: ركن الشيء جزء ماهيته. أي أن أركان الإسلام أجزاء من الإسلام، أجزاء من ماهية الإسلام، كما أن أركان الصلاة أجزاء من الصلاة، وأركان الوضوء أجزاء من الوضوء، وأركان التيمم أجزاؤه، وكذلك أركان الصلاة، أركان الزكاة، أركان الصيام التي لا يتم إلا بها؛ فالحج ركن من أركان الإسلام لا يتم الإسلام إلا به، وإذا تم الإسلام أثيب عليه، وإذا نقص لم ينتفع به ولم يترتب عليه النجاة من العذاب. ولما كان كذلك جاء التحذير من التهاون بهذا الركن، الذي هو ركن الحج فجاء عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: ( من قدر على الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ). وهذا دليل على أن من قدر عليه وتركه فقد اختل إسلامه، اختل دينه الذي هو دين الإسلام؛ وما ذاك إلا أنه لم يتم أركانه التي يتكون منها، والتي هي أجزاؤه. وجاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: ( لقد هممت أن أبعث إلى هذه القرى، فمن قدر على الحج ولم يحج أن أضع عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين ). فهذا دليل على أهمية هذا الركن الذي هو حج بيت الله الحرام دليل على أهميته ومكانته عند المسلمين. ثم إن الله تعالى ما فرضه إلا على المستطيع، قيل: إن الله فرضه بالآية التي في سورة البقرة: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } ولكن ذكر العلماء أن هذه الآية ليست دليلا على الفرضية، وإلا فإنها متقدمة النزول؛ وإنما هي دليل على وجوب الإتمام، أن من دخل في الحج وجب عليه إتمامه، ومن دخل في العمرة وأحرم بها وجب عليه إتمامها إلا المحصر إذا أحصر؛ يعني حيل بينه وبين الإتمام فعليه أن يذبح ما استيسر من الهدي؛ ولهذا قال تعالى: { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } فدلنا ذلك على أنه لا بد لمن دخل في الحج أو العمرة أن يتمه. وجاءت السنة بجواز الاشتراط إذا خاف الإنسان أن لا يتمكن من إتمامه أن يشترط، ودليله: { أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على بنت عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: إني أريد الحج وأجدني شاكية -أي مريضة- فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني؛ فإن لك على الله ما استثنيتي } ؛ فأجاز العلماء لمن خاف عدم الإتمام أن يشترط، بأن يقول: اللهم إني أحرمت لك بعمرة فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، أو اللهم إني أحرمت لك بحج، أو اللهم لبيك حجا فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. وأما إذا كان الطريق آمنا، والخوف غير متحقق فلم يذكر الاشتراط؛ ولذلك ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته، وإنما أمر به من يخاف ألا يتمكن من الإتمام، وأما الآية التي فرض بها الحج فهي آية آل عمران قول الله تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } فهذه الآية هي التي عرف بها أن الحج فريضة على العباد، وأن من تركه يعتبر ترك ركنا من أركان الدين. ذكر أن اليهود لما نزل قول الله تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } قالوا: نحن مسلمون؛ فأنزل الله قوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فقالوا: لا نحج، وليس الحج من شرعنا؛ فأنزل الله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } فأخبر بأنه فرض الحج، وأن من تركه يعتبر قد كفر، وأن من كفر فالله تعالى غني عنه، وغني عن عبادته، غني عن العالمين.