الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / عاشرا: الاعتكاف

الاعتكاف لغة: ملازمة الشيء والإقامة الطويلة عنده، وغالبا أنهم يقيمون عنده تعظيما له؛ ولهذا كان المشركون يعتكفون عند معبوداتهم. قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام- { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } [سورة الأنبياء، الآية: 52]. ؛ ومعنى عاكفون أي مقيمون عندها. واعترف المشركون بأنفسهم، فقال الله -تعالى- عنهم: { قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } [سورة الشعراء، الآية: 171]. وأخبر -تعالى- عن بني إسرائيل بقوله -تعالى- { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } [سورة الأعراف، الآية: 138]. ؛ ومعنى يعكفون أي يطيلون القيام عندها، والعكوف لا بد أن يكون تعظيما للبقعة والمكان الذي يعتكف فيه، فإن كان عبادة لله وطاعة فهو محمود، كالاعتكاف في المساجد، قال -تعالى- { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [سورة البقرة، الآية: 187]. وقال -تعالى- { أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ } [سورة البقرة، الآية: 125]. وإن كان ذلك المقام محظورا الاعتكاف فيه، لأنه تعظيم لمخلوق مثلا، لم يجز، فالاعتكاف عند القبور تعظيما لها يكون شركا؛ لأنه بمنزلة اعتكاف المشركين عند معبوداتهم؛ لأن الذين يعكفون عند القبور يكون دافع الاعتكاف عندهم تعظيم القبور، أما الذين يعكفون في المساجد، فإن دافع الاعتكاف عندهم عبادة الله وطاعته. أما معنى الاعتكاف في الاصطلاح فهو: لزوم مسجد لطاعة الله، فلا بد لمن أراد أن يعتكف في المسجد أن تكون نيته طاعة لله، أما الذين يتخذون المسجد للسكنى، كما يفعل بعض الفقراء، فإنه لا يسمى معتكفا. قوله: "لطاعة الله" المراد بالطاعة هنا جميع أنواع الطاعات؛ لأن على المعتكف أن يكثر من الطاعات والقربات، ومن الطاعات التي يتقرب بها المعتكف الصيام، فإذا اعتكف نهارا فإنه يتأكد عليه أن يصوم، ومنها التهجد، ومنها الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر الآيات والتفكر فيها، ومنها كثرة ذكر الله- جل وعلا- من التهليل والتسبيح والتكبير والحوقلة والاستغفار وما أشبه ذلك. ومنها التفكر في آلاء الله وفي آياته، والتفكر في مخلوقاته وفي نعمه على عباده، ومنها الإكثار من الدعاء؛ فيدعو الله ويبتهل إليه، ويتوسل إليه بأسمائه وبصفاته؛ ليكون أقرب إلى إجابة دعائه. فعلى المعتكف أن يعمر وقته بأنواع الطاعات والقربات، وكذلك عليه أن يتجنب ما يشغله عن هذه الطاعة؛ فمثلا لا يخرج من المسجد لغير حاجة ولا يشتغل بالدنيا ولا بأمور الدنيا، ولا يفتح باب الزيارة فيأتيه الناس ويتحدثون إليه، بل عليه أن يشتغل بنفسه ولا يجعل مكانه أو زاويته متحدثا؛ فإن هذا ينافي حقيقة الاعتكاف، إلا أن يكون هناك حاجة وضرورة، فإن صفية -رضي الله عنها- زارت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف وتحدثت معه قليلا، ثم قامت وقام معها ليردها إلى بيتها. روي عن بعض السلف أنه عرف الاعتكاف بقوله: "الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق" . المراد بالعلائق: العلاقات التي بين المعتكف وبين الناس في المعاملات والزيارات؛ فعلى المعتكف أن يقطع تلك العلائق عن كل الخلائق حتى عن أبنائه، فلا يفتح لهم المجال ليأتوا إليه للمزاح والكلام ونحو ذلك؛ لأجل أن يتصل بخدمة الخالق. هذا هو حقيقة الاعتكاف. فائدة: أركان الاعتكاف ثلاثة: 1- المعتَكِف: المسلم. 2- المعتَكَف: المسجد. 3- المعتَكَف له: طاعة الله.