وهكذا جاء الشرع الشريف مرغِّبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفّر من قرناء السوء، ورغّب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر، كما أن القصد الأعلى من هذا الاختلاط نصحهم عموما، وهدايتهم إلى سبل السلام، ودلالتهم على كل ما يعود عليهم بمصلحة في دينهم ودنياهم، وإعانتهم على البر والتقوى، وأمرهم بكل معروف ونهيهم عن المنكرات شرعًا وعرفًا. وهكذا جاءت الشريعة بالشفقة على الخلق ورحمتهم؛ وأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله، وشُبِّهُوا بالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان من آثار ذلك قضاء حوائجهم، وتفريج كرباتهم، وكل ما فيه جلب الراحة والطمأنينة لهم، مع الحرص على إزالة الوهن، والتقاطع الذي يحصل بينهم؛ لتصفو القلوب وتحصل لهم راحة النفس في هذه الحياة. وكذا على بِرّ مَن له زيادة حق لقرابة أو جوار، فأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وصدق المؤاخاة، والشفقة على الأولاد، وما يتبع هذا البر والإحسان من نفقة ومواساة، وإيثار وطاعة وخدمة بقدر المستطاع. كما حذر أشد التحذير من الإساءة إلى الوالدين وعصيانهما، وقطيعة الرحم، بل أخبر بأن من وصل الرحم وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. كما أمر الإنسان بالصبر على ما يناله من جفوة أقاربه وإساءتهم، وأخبر بأن حق الأبوين لا يسقط ببقائهما على الكفر، فأمر بصحبتهما بالمعروف، ولكنه نهى عن التنزل على رغبتهما في الرجوع إلى الشرك؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجعل العقوق في المرتبة التي تلي الشرك بالله، وألحق به من يتسبب إلى جلب الشتم والمسبة لأبويه، وأخبر بأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وحذر من التهاجر بين المسلمين لأجل الحظوظ الدنيوية؛ لما ينتج عنه من تفرق الكلمة واختلال الأمن وفقدان الثقة بين المسلمين. ولما كان هناك -غالبا- أفراد في المجتمع يستحقون زيادة عطف وإحسان لأسباب خاصة، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على برهم ورحمتهم والشفقة عليهم، وحثِّهم أنفُسَهم على الرضا والاستسلام بما قدره الله لهم، وما أصابهم من نقص وعاهة، كما ورد في الحديث: { إن أهل الجنة كل ضعيف متضعف } أخرجه البخاري (4537) في كتاب: تفسير القرآن، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن معبد بن خالد، قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا أخبركم بأهل الجنة، كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جوَّاظٍ مستكبر". وأخرجه مسلم (5092 - 5093) كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، والترمذي (2530) كتاب صفة جهنم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن ماجه (4106) كتاب: الزهد، وأحمد (17980) أول مسند الكوفيين. وأن عامة من دخل الجنة هم المساكين، وقال كما رواه مسلم في صفة الجنة باب النار يدخلها الجبارون عن أبي سعيد، ورواه البخاري ومسلم في الرقاق عن أسامة بن زيد. -صلى الله عليه وسلم- { رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره } أخرجه مسلم (5094)، و(4754)، كتاب: البر والصلة، باب: من استعان بالضعفاء، قال: حدثني سويد بن سعيد، حدثني حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره". وأخرجه البخاري (2631) كتاب: الجهاد والسير، باب: من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، وأبو داود (2227) كتاب: الجهاد، والنسائي (127) كتاب: الجهاد، وأحمد في مسند "العشرة المبشرين بالجنة"، برقم (1411)، و"مدح الأنصار" برقم (203738). . وحث على كفالة اليتيم ورعايته والرفق به، وعلى مراعاة المساكين والمستضعفين، والتفطن لأحوالهم والصدقة عليهم، وتخفيف ما يجدونه من ضيق وشدة وهم وحزن، وجعل الجزاء من جنس العمل في ذلك، ففي الحديث: { من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة } أخرجه البخاري (2262) كتاب: المظالم والغصب، قال: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عُقيل، عن ابن شهاب، أن سالما أخبره، أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:....... وذكر الحديث. وأخرجه مسلم (4677) كتاب: البر والصلة والآداب، والترمذي (1346) كتاب: الحدود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود (4248) كتاب: الأدب. ونهى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن طرد المستضعفين من مجلسه، وأمره بالصبر معهم في قوله: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ولما رأى بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- أن له فضلا على من دونه قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- { هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم } أخرجه البخاري (2681) كتاب: الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب. قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا محمد بن طلحة، عن مصعب بن سعد، قال: رأى سعد -رضي الله عنه- أن له فضلا على من دونه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ". وأخرجه النسائي (3127) كتاب: الجهاد، وأحمد (1411) مسند العشرة المبشرين بالجنة. وكل هذه الخصال من شعائر الإسلام. |