8- ولا تُضْرَبُ لها الأمثال. 9- ولا تُدرك بالعقول ولا الأهواء، إنما هو الاتِّباع وترك الهوى. لا تضرب لها الأمثال كردٍّ عليها أو انتقاد لما ثبت بالسُّنَّة، وقد قال -تعالى- { فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . وهو رد على المشركين الذين يقيسون الرب -تعالى- بآلهتهم كما في قولهم: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } . وقولهم: { هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ } . فهكذا لا تُضرب الأمثال لسُنَّة النبي-صلى الله عليه وسلم- كقول المشركين: { أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا } . وكقوله: { لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } . فعلينا أن نصدق هذا النبي ونعمل بالسُّنّة التي ثبتت عنه ولا نردها ولا نسلط عليها التأويلات والتقديرات، كحديث النزول حديث النزول هو قوله -صلى الله عليه وسلم- : "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". أخرجه البخاري برقم (1145)، ومسلم برقم (758) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وأخرجه مسلم برقم (758، 172) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. قال الشيخ ابن جبرين: تقبَّل أهل السُّنّة هذا الحديث الصحيح، وآمنوا بما فيه من إثبات نزوله وتودده إلى عباده، وحثهم على الدعاء والذكر والتوبة في آخر الليل. وتوقفوا عن تكييف هذا النزول؛ بل أجروه على ما يليق بجلال الله -تعالى-. وقد كبُر هذا الحديث على المعطلة من الجهمية ونحوهم، واضطربوا فيه، فردَّه بعضهم وقالوا: هو من أخبار الآحاد، وهي لا تفيد إلا الظن بزعمهم، فلا يدخل في العقائد. وتأوله آخرون بأن المراد: نزول رحمته أو أمره.. ونحو ذلك. والحديث مروي في الصحاح والسنن وسائر دواوين أهل السُّنّة، عن جمع من الصحابة فهو يفيد اليقين الجازم. وكذلك ما صح من أخبار الآحاد مما عُدِّلَتْ نَقَلَتُهُ، وتلقته الأمة بالقبول، فإنه يفيد اليقين على الصحيح. وأما تأويله بنزول الرحمة والأمر فباطل؛ لأن أمره -تعالى- ينزل كل وقت، ولا يختص بثلث الليل الآخر. وأيضًا لا يصح أن أمره يقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه. اهـ من كتاب التعليقات على متن لمعة الاعتقاد ص 73، 74. كالذين قالوا: إما أن يخلو منه العرش وإما أن لا يخلو، وأحاديث الرؤية أحاديث الرؤية كثيرة جدًّا، منها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم سَتَرَوْن ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته". أخرجه البخاري برقم (544)، ومسلم برقم (633) من حديث جرير بن عبد الله -رضي الله عنه-. ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟". قالوا: لا. قال: "هل تضارون في رؤية الشمس صحوًا ليس دونها سحاب؟" قالوا: لا. قال: "فإنكم ترون ربكم كذلك". أخرجه البخاري برقم (7437)، ومسلم برقم (182) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. قال الشيخ ابن جبرين: اتفق السلف وأهل السُّنّة من الخلف على إثبات رؤية الله -تعالى- رؤية حقيقية عيانًا بالأبصار، مع تنزيه الرب -تعالى- عن مشابهة الخلق في شيء من خصائصهم وصفاتهم. وهذه الرؤية تكون في يوم القيامة، وفي الجنة كما يشاء الرب سبحانه. وتكون في الموقف للمؤمنين ومن معهم ممن يظهر الإيمان. وتكون الرؤية في الجنة خاصة بالمؤمنين، فمنهم من ينظر إلى الله -تعالى- بُكرةً وعشيًّا، ومنهم من يزوره ويراه في مثل يوم الجمعة، ويسمى يوم المزيد. فالرؤية من أعلى نعيم أهل الجنة، فلهذا عوقب الكفار بالحجاب عن ربهم. ثم هي رؤية بالأبصار حقيقية، كما نطقت بذلك السُّنّة، وأوضحه القرآن. والمنكرون للرؤية هم الجهمية، ومن قلدهم كالمعتزلة وبعض المرجئة، قالوا:إن إثباتها يستلزم التشبيه، وإثبات الجهة، وذلك من شأن المحدثات والمركبات، ثم تكلفوا في رد دلالة النصوص بما يشهد العقل ببطلانه، فأهل السنة يثبتون جهة العلو لله -كما سبق-، ولا يلزم منها الحدوث والتجدد لشيء من صفات الله -تعالى- أما أدلتهم النقلية فأقواها قوله -تعالى-: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } [ الأنعام: 103 ]. يجاب عنها بأن الرؤية أخص من الإدراك. فالمعنى لا تحيط به إذا رأته لعجزها عن إدراك كنهه، فتكون الآية دليلا على الإثبات. واستدلوا بقوله -تعالى- لموسى: { لَنْ تَرَانِي } لمّا قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف: 143 ]. فيقال: إنه لا يظن بموسى عليه السلام أن يسأل ما لا يجوز على الله. فهو لما سأل الرؤية منعه لضعف البشر في الدنيا عن الثبوت لذلك؛ ولهذا لما تجلى الله -تعالى- للجبل انْدَكّ، وروي أنه غار في الأرض. ففي الآخرة يمد الله عباده بقوة يقدرون معها على رؤية ربهم. اهـ من كتاب التعليقات على متن لمعة الاعتقاد ص 110/113. وسيأتي الكلام على الرؤية في هذا الكتاب، الصفحات: 56، 57،60/ 63. بأن يقال: إن الرؤية تستلزم كذا وكذا ونحو ذلك. وأما كونها لا تُدرك بالعقول والأهواء، فالمراد أن عقول البشر قاصرة عن إدراك كيفية الأمور الغيبية، وكذا معرفة الحِكَم والمصالح التي شُرعت لأجلها الأحكام، فإن هناك من اعترض على بعض الفرائض والمحرمات وأوردوا شبهات في التشكيك في شرعيتها كالحكمة في الطواف بالبيت وتقبيل الحجر الأسود والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجِمار، والحكمة في تحريم الربا وهي تحصل مع التراضي، وكذا الزنا برضى الطرفين، وشرب الخمر الذي هو لذيذ تطرب له النفس ونحو ذلك. ولقد تكلم العلماء -رحمهم الله تعالى- بما فتح الله عليهم فبيَّنوا الحِكم والمصالح في أمور الشريعة، وإن كانوا قد توقفوا في بعضها مع اعتقادهم أنها عين المصلحة، وقالوا: لا قدرة لنا على إدراك الأمور الغيبية كعذاب القبر ونعيمه وصفة الروح واتصالها بصاحبها في الدنيا وفي البرزخ، وكذا كيفية البعث والحشر وما بعده، فليس علينا سوى القبول والاتّباع وترك الهوى وترك الاعتراض عليها بمجرد الظن والنظر وذلك غاية الرضى والتسليم، والله أعلم. |