س 68: وسئل -حفظه الله- يتساهل بعض المدرسين بارتكاب بعض المخالفات الشرعية؛ معتقدًا أن ذلك سنة أو مكروه، ومن أبرز تلك المخالفات وأكثرها انتشار حلق اللحية أو أخذ شيء منها قل أو كثر ؛ علمًا بأنهم القدوة والمربون، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟ نرجو بسط القول في هذه المخالفة، مع ذكر الأدلة وكلام بعض أهل العلم في ذلك. فأجاب: اللحية هي الشعر النابت على اللحيين وعلى الذقن الذي هو أسفل الوجه، وهذا الشعر أنبته الله -تعالى- في الرجل دون المرأة، فاللحية ميزة الرجال، وهي الفارقة بين الرجل والمرأة، كما أنها زينة وجمال وهيبة ووقار؛ ولذلك جعل إعفاؤها من خصال الفطرة، كما في الصحيح عن عائشة مسلم "النووي" كتاب الطهارة - خصال الفطرة [3 / 147]. وقد ثبت في الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم- { قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى } الفتح الرباني - الأمر بقص الشارب وإعفاء اللحية [17 / 314]. ؛ أي: اتركوها حتى تعفو؛ أي تكبر وتكثر، وكذا في حديث آخر قال: { أحفوا الشوارب ووفروا اللحى } البخاري "الفتح" كتاب اللباس - باب تقليم الأظفار [10 / 361] " 5892". ؛ أي: أبقوها واتركوها وافرة، وفي آخر: { أرجئوا اللحى } ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري [10 / 362] ما نصه: وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: "أرجئوا" وضبطت بالجيم والهمزة، ولما رجعت إلى صحيح مسلم [3 / 147]، وجدت روايات بألفاظ مختلفة: الأولى "أعفوا"، والثانية "أحفوا"، والثالثة "أرخوا"، ولم أجد لفظ "أرجئوا"، قال النووي -رحمه الله- في الشرح [3 / 151]: وأنه وقع عند ابن ماهان: "أرجوا" بالجيم، وقيل هو بمعنى الأول، وأصله: "أرجئوا" بالهمزة، فحذفت الهمزة تخفيفًا ا. هـ. ؛ أي: أخروها وأطيلوها، وفي لفظ: { أوفوا اللحى } مسلم "النووي" -كتاب الطهارة- خصال الفطرة [3 / 147]. ؛ أي: اتركوها وافية، والمعنى تركها معافاة وعدم التعرض لها بقص أو حلق أو نتف. ولا شك أن اللحية في الرجل جعلت زينة وجمالًا وبهاء وكمالا، ومن استقذرها واستثقلها فقد انعكست فطرته واستحسن القبيح، وقد ابتلينا في هذه الأزمنة بكثرة من يحلقها ويقصرها، وسبب ذلك كثرة هذا الفعل في الوافدين من النصارى ونحوهم، فخيل إلى بعض الناس أن هذا يعد تقدمًا ورقيًّا وثقافة علمية، وأن هؤلاء المفكرين أتم عقولا من المسلمين؛ فحملهم هذا الخيال على تقليدهم واتباعهم، ولا شك أن هذا من التقليد الأعمى ومن التشبه المنهي عنه، ومن محاكاة المجوس وأتباعهم؛ فقد ورد أن اثنين من المجوس دخلا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد وفّرا شواربهما وحلقا لحاهما، وقالا: أمرنا بذلك ربنا؛ أي: كسرى، فقال -صلى الله عليه وسلم- { لكن ربي أمرني بإعفاء اللحية وقص الشارب } البداية والنهاية - بعثه إلى كسرى ملك الفرس [4 / 270]، تاريخ الطبري- السنة السادسة [2 / 655-656]. . فأما احتجاج البعض بأن ابن عمر كان يقص ما زاد على القبضة من لحيته فهذا الفعل لم يفعله إلا بعد التحلل من الإحرام، وتأول قوله -تعالى- { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } فأحب أن يجمع بين الحلق للرأس والتقصير للوجه، ورآه من الرأس، وخالفه في ذلك بقية الصحابة، فكانوا لا يتعرضون للحية لا بحلق ولا بتقصير، لكن المستحب أن يجمل لحيته بالمشط والتسريح والتحسين حتى لا تكون متلبدة تشوه المظهر، والله أعلم. |