الدليل الأول: اقتران الميسر بالخمر والأنصاب والأزلام: قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } . في هذه الآية الكريمة قرن الله تعالى الميسر وهو القمار بالخمر والأنصاب والأزلام، وهذه الأشياء لا شك في حرمتها، فكان هذا دليلا على أن الميسر محرم. والخمر معروف وهو ما يشربه الإنسان فيسكر فيفقد عقله كليا أو جزئيا، فيتكلم ويتصرف بدون تفكير وبدون عقل، فقد يزني وقد يقتل وقد يحرق وقد يطلق ونحو ذلك. فلهذا السبب جاء الشرع بتحريمه. أما الأنصاب فإن تعاطيها حرام؛ لأنها وسيلة إلى عبادتها. فالشيء الذي قرن بالأنصاب، وقرن بالخمر، وقرن بالأزلام، لا شك في حرمته وشدة مأثمه. الدليل الثاني: تسمية الميسر رجسا: الرجس هو النجس، أما الرجز فهو الإثم، فالرجز كل ما فيه ضرر، وكل ما فيه مأثم، وقد سمى الله تعالى الأصنام رجسًا في قوله تعالى: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } ويقال لها أيضا رجزا، وقد نهى الله عنه في قوله: { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } بضم الراء، أو: { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } على قراءة بالكسر. الدليل الثالث: أن الميسر من عمل الشيطان: لقد بين الله تعالى أن الميسر من عمل الشيطان في قوله: { مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } وكل شيء من عمل الشيطان فإنه محرم، ذلك أن الشيطان حريص على إغواء بني الإنسان، وعلى إيقاعهم في الضلالات. فإذا عرفت أن الميسر من عمل الشيطان فاعلم أن الشيطان ما أتاك به إلا ليخدعك وليغريك، ويوقع بينك وبين أخيك الشنآن! فالشيطان عدو للإنسان، ولقد حذَّرنا الله من هذا العدو أشد التحذير، فقال تعالى: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } . وأخبرنا بأنه كاد لآدم وحواء وكان سببا في إخراجهما من الجنة، وأقسم لهما أنه لهما من الناصحين وهو كاذب، فقال تعالى: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } . وحذرنا الله من هذا العدو في قوله تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ } . فهذا الشيطان إذن عدو للإنسان وهو حريص على غوايته، فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام من عمله يعني هو الذي جاء بهـا، وهو الذي وسوس بها إلى العبد والذي زين له أن يقترفها وأن يقع فيها. فإذا عرفت الشيء الذي من عمل الشيطان فإن عليك الابتعاد عنه وتركه حتى تسلم فإنه ما يريد إلا إهلاكك، ولا يريد إلا إغواءك! والشيطان يتصل بقلب الإنسان، ويوسوس في الصدور، وقد أنزل الله فيه سورة، وهي خاتمة السور، قال تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } . فالوسواس الخناس هو الشيطان، أمرنا الله بأن نستعيذ برب الناس وملك الناس وإله الناس من شر هذا الشيطان، الذي يصل إلى الصدور ويوسوس فيها ويبني فيها الشر، ويدعو إليه، ويزين الشرور بمظهر الخيرات، ويحبب أفكار الناس إليها، ويدفعهم إليها دفعا. ولكن قد جعل الله تعالى لحزبه وأوليائه حصنا وملاذا من شره، واصطفى صفوة وأخيارا من عباده سلمهم من شر هذا الشيطان، وأمنهم منه، قال تعالى: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } فعباد الله الذين اصطفاهم قد عصمهم منه فليس للشيطان عليهم سلطة، وقد استثناهم الشيطان بنفسه في قوله: { إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } . وإذا عرفنا عداوة هذا الشيطان نعرف أنه قد أكد على نفسه أن يأتي بكل حيلة، وأن يأتي بكل وسيلة ليضل بني الإنسان، حتى ذكر الله عنه أنه قال: { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } وقال تعالى عنه: { لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا } يعني ذرية آدم إلا قليلا، فسلطه الله علينا وأنظره، وقال له: { قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } يعني من المؤخرين، وقال له: { اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } يعني ائتهم بكل حيلة، وتسلط عليهم بكل سلطة، واعمل معهم بكل وسيلة تقدرها، فالشيطان حريص على الإضلال وسيبذل كل جهده في إغواء كل إنسان. وهذا النوع من المخلوقات له مكانة، وله قدرة على الإنسان، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يجري من الإنسان مجرى الدم، يعني أنه يَنْفُذُ في الإنسان ويصل إلى أعضائه فيسري في جسده، كما يسري الدم في جسده، فقال -صلى الله عليه وسلم- { إن الشيطان يجري من بني آدم كما يجري الدم } أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3 \ 156). . ويوسوس في قلبه وهو لا يراه، قال تعالى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } . يعني: هو ومن كان على شكله من الجن ونحوهم { مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ } ولكن قد جعل الله لنا عصمة وحروزا نعتصم بها منه، فالطاعة مثلا حرز من الشيطان، وذكر الله حرز من الشيطان، والعبادات بأكملها وقراءة القرآن بتدبر، وكذلك الأذكار حرز أيضا من الشيطان والتسبيحات، ونحوها. وهذه الحروز التي تمنعك من الشيطان متى قلتها بإخلاص وصدق فإنها تعيذك وتنفعك بإذن الله تعالى. والحاصل أن هذه الأشياء التي هي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام قد جعل الله من أسباب تحريمها كونها من عمل الشيطان، يعني هو الذي عملها أو دعا إلى عملها، فهو الذي حرَّض على الأصنام إلى أن عُبدت!! وهو الذي دعا الناس إلى شرب الخمور!! وهو الذي يدعوهم إلى تعاطي هذا القمار!! وهو الذي يدعوهم إلى أن يعملوا الأزلام أو يتعاطوها!! إذن فهي من عمل الشيطان. فإذا ما عرفت ذلك فتجنبها حتى تسلم من وساوس الشيطان، يقول تعالى: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } . الدليل الرابع: الأمر باجتناب الميسر: أمر الله تعالى باجتناب هذه الأربعة، وهي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، والاجتناب أبلغ من الترك، أي: ابتعدوا عنها، وهو أبلغ من أن يقول اتركوها، والترك لا يقتضي المباعدة، ولكن الاجتناب أبلغ، أي اتركوها في جانب، واذهبوا في جانب بعيد عنها. ومن هذه الأربعة الميسر. فالبعد عن الميسر أسلم، والقرب منها سبب للوقوع فيها أو وسيلة من وسائل الوقوع فيها، لذلك أمرنا الله تعالى بالتجنب يعني الابتعاد، فلا تقرب من أهلها ولا تصاحبهم ولا تصادقهم ولا تعاملهم ولا تحبهم ولا تجالسهم ولا توادهم؛ بل ابتعد عنهم وانج بنفسك حتى تسلم على عِرْضِك، وحتى تسلم على دينك وعلى عقيدتك، فإنه يخاف عليك متى جالست هذه الأشياء، أو متى جالست اللاعبين بالقمار مثلا، أو المتعاطين للخمور، وما أشبهها يخاف عليك أن يتدنس عرضك، ويخاف عليك أن تدانيهم، وأن تقع في شيء منها ولو قليلا، أو أن تحب شيئا من ذلك أو ما أشبه ذلك، فهذا هو السبب في كون الله تعالى أمرنا بالابتعاد، في قوله: { فَاجْتَنِبُوهُ } يعني ابتعدوا عنه. الدليل الخامس: حصول الفلاح بترك الميسر: وذلك في قوله: { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } والفلاح هو الفوز وهو الظفر وهو السعادة في الدنيا، والسعادة في الآخرة ونيل المراد، والحصول على المطلوب، هذا هو الفلاح، فالمفلح هو الذي يحصل على مطلوبه. ولكن متى يحصل لك الفلاح؟! إذا تجنبت هذه الأشياء ومنها الميسر، إذا ابتعدت عنها ومقتها وأبغضت أهلها، فإنك من المفلحين، يعني يُرجى لك أن تكون من أهل الفلاح، فهذا هو السبب في تعليق الله الفلاح على ابتعادك عن هذه الأشياء ومنها الميسر. فالشيء الذي يحصل الفلاح باجتنابه، ويحصل الهلاك بالاقتراب منه، ويحصل الدمار بفعله، ويحصل الضلال بتعاطيه؛ لا شك أنه محرم. الدليل السادس: أن الميسر يوقع العداوة بين الناس: يقول تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } يعني أن الشيطان حريص على أن يوقع بين الناس العداوة، والعداوة هي المقاطعة، يعني كون الأخوين يتقاطعان، وكون الصديقين يتقاطعان ويتباغضان، ويتهاجران، فالأخوة ونحوهم يتقاطعون وكل منهم يقاطع الآخر ويمقته ويسبه ويهجوه في غيبته وينتهك عرضه، ويرميه بما يشينه، وذلك كله بأسباب الخمر وبأسباب الميسر، قال تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } . الدليل السابع: إن الميسر يوقع البُغض بين الناس: البغض هو مقت الإنسان للإنسان، وسخطه عليه، وكراهيته لأعماله، فإذا حصلت هذه البغضاء حصل من آثارها التقاطع والتهاجر والتدابر الذي يسبب الفرقة بين المسلمين. وهنا نذكر بعض الأمثلة التي حدثت بسبب القمار وهو الميسر، فمن الأمثلة تلك الألعاب التي يلعبها الناس ثم يجعلون بينهم لمن غلب عوضا يتعاطونه، فإذا غلب أحدهم أخذ تلك النقود، فإذا كانت هذه النقود كثيرة فإن أصحابه الذين أُخِذَت نقودهم يصبحون بلا مال، وقد تُعوزهم الحاجة، وقد يفتقرون ويحتاجون إلى الاقتراض، ويدفعهم ذلك إلى الحصول على الأموال بوجوه متفرقة!! وقد يكون بعضهم تعب في جمعها، ثم لعب هذه اللعبة الشيطانية فقامر، فيأخذ غيره تعبه وكد يمينه، فتُؤْخَذُ الأموال منه بدون حق، وهو بلا شك سيمقت هذا الذي قهره ويبغضه، فإذا أبغضه لا بد أن تقع بينهما عداوة، وقد تصل تلك العداوة إلى القتال، فتحدث هذه العداوة قتالا وشجارًا زيادة على التقاطع والتهاجر والتباغض الذي يسبب تفرُّق الكلمة بين المسلمين، وتشتت أمورهم، وذلك مما يسبب قوة أعدائهم عليهم واكتساح أموالهم، وأخذ بلادهم، كل ذلك بسبب هذا الخمر وهذا الميسر! وقد أمر الله تعالى المسلمين بأن يكونوا إخوة متحابين، وأن يُذْهِبُوا ما بينهم من الشحناء ومن العداوة والبغضاء، وأمرهم بأن يتآلفوا، وسماهم مسلمين، ومَنَّ عليهم بالأخوة الدينية، قال تعالى: { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } . فمَنَّ الله عليهم بجمع كلمتهم بعد التفرق، وبتآخيهم بعد التقاطع، وبتحابهم وتصافيهم بعد أن كانوا أعداء، وبتأليف قلوبهم التآلف الذي لا يقدر عليه إلا علام الغيوب، قال تعالى: { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } فدلنا على أنه يجب علينا أن نكون متآلفين، ويكره ويبغض أن نكون متعادين متقاطعين، فيجب على المؤمنين أن يكونوا يدا واحدة، وأن يتعاونوا، وقد أمرهم الله تعالى بذلك في قوله: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وأمرنا تعالى إذا وقع قتال بين فئتين أن نسعى في الإصلاح بينهما حتى يتآلفوا، قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } . فأمرنا الله أن نصلح بينهم، وسماهم إخوة لنا، ولو كانوا يتقاتلون، وأمرهم أن يتصافوا؛ لأنهم إخوة، ولكن هذا الشيء وهو الميسر يزيل تلك الأخوة، ويوقع بدلا منها العداوة والبغضاء والشحناء والتهاجر والتدابر الذي قد نهى الله عنه، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم . فإذا عرفنا هذا الشيء، وعرفنا مضاره فيجب علينا أن نتجنبه وأن نبتعد عنه. الدليل الثامن: أن الميسر يصد عن ذكر الله: والصد عن ذكر الله تعالى دليل آخر على حرمة الخمر والميسر، وذلك في قوله: { وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } فهذه اللعبة الشيطانية فيها أكبر مفسدة وهي أنها تصد عن ذكر الله، وهذا مُشاهد فإن أهلها الذين يتعاطونها حتى ولو كانوا على غير عوض لا بد أن يشتغلوا بها وقتا طويلا ويستلذون بتلك اللعبة، ويزعمون أنهم يرفهون عن أنفسهم ويسلونها، فَيُذْهبُوا الوقت الذي هو أنفس الأشياء في هذه اللعبة، فيصدون بذلك عن ذكر الله وينشغلون عنه باللهو واللعب { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } . ونقول لهم: كان الأولى بكم في وقتكم هذا الذي ضاع عليكم سبهللا أن تشغلوه بذكر الله، فعندكم الذكر، وعندكم التدبر، وعندكم أشياء كثيرة، يمكن أن تشغلوا الوقت بها بما ينفع، فتلك الألعاب لا فائدة فيها دينا أو دنيا، إنما تشغلكم عن ذكر الله ودعائه وعبادته وتجلب لكم الغفلة وقسوة القلب. الدليل التاسع: أن الميسر يشغل عن الصلاة: والانشغال عن الصلاة شيء مشاهد، فالذين يلعبون هذه الألعاب الشيطانية ويشغلون بها أوقاتهم غالبا أنهم يضيعون الصلوات، وينشغلون عن كثير من العبادات، وإن أتاها فمع سهو ووسوسة، وكثيرا ما يسهرون طوال الليل فينامون عن صلاة الصبح أو يفوتهم بعض الصلاة، أو تفوتهم الجماعة!! أفلا يدل ذلك على أنها محرمة؟! الدليل العاشر: الأمر بالانتهاء عن الميسر: قال تعالى: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } وهذا دليل ظاهر على تحريمها، فقد أمرنا الله تعالى أن ننتهي عنها، والانتهاء بمعنى الترك والتوبة، ولهذا لما نزلت هذه الآية قال الصحابة: "انتهينا .. انتهينا " ذكره ابن كثير عند تفسير هذه الآية في سورة المائدة. . يعني انتهينا عن شرب الخمر ولعب الميسر وغير ذلك، فقوله تعالى: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ؟! الاستفهام هنا ليس على ظاهره، وإنما هو للطلب، يعني فانتهوا، يعني إلى متى لا تنتهون؟! إلى متى تتمادون في هذا اللعب؟! ألم يحن لكم وقت الانتهاء؟ أما عرفتم مضارها؟ ألا تنتهون؟ قالوا: بلى انتهينا. فهذه عشرة أدلة من الآية الكريمة على تحريم الميسر. والله أعلم. |