يتضح مما سبق أن القمار هو اللعب بالميسر، وبالألعاب الشيطانية على عِوَض وأنه محرم، وأن العوض الذي يبذل فيه مُحَرَّم، حتى ولو كان الباذل له راضيا، فإن هذا الرضا لا يجعله حلالا ؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يبذل ماله إلا في حدود ما شرع الله؛ فإن الله تعالى حرَّم الربا مع كونه لا يبذله صاحبه إلا بالرضا؛ ولكن لأن فيه مضرة لأحد المتبايعين فهو حرام، وكذلك القمار الذي هو المال المبذول في اللعب، هو أيضا حرام ولو كان صاحبه قد رضي ببذله، وقد أعطاه إياه عن قناعة ورضا، وذلك لما يسببه من الأضرار التي أشرنا إليها سابقا. ونشاهد كثيرا من الناس يقعون في بعض أنواع القمار من حيث أنهم يعتقدون إباحتها، ويكتسبون بواسطتها أموالا كثيرة من الناس اعتقادا في حلها! ومن هذه الأنواع ترويج السلع بأنواع من الدعايات المضللة التي يخدعون بها الناس ويوقعونهم فيها، وهي لا تستحق ذلك المدح، وهذا من القمار! لأنهم قامروا وخدعوا الناس حتى أوقعوهم فيها، واعتقد الناس أنها كما يقولون مع أنها ليست كذلك، فزادوا في قيمتها، فلهذا السبب كانت حراما، ولو لم يكن أخذ ذلك العوض عن اللعب. والذين يأتون بتلك الأفعال والدعايات يزعمون أنهم ناصحون عندما يدعون إلى تلك الأعمال، وبهذا يجمعون من الناس أموالا كثيرة. ومن أنواع القمار ما يفعله بعض التجار الذين يجعلون جوائز مغرية لمن اشترى من بضاعتهم كذا ولمن أتاهم بكذا، فيظهرون مثلا عشر جوائز، ثم يجعلون عوضها أن يشتري الناس كذا وكذا من السلع وما أشبه ذلك! فتجد الناس يتهافتون على شراء تلك السلع رجاء أن يحصلوا على جائزة من تلك العشر. فإذا ظهرت النتيجة تبين أنهـم قد أخذوا من الأموال ومن الأرباح ما لا حق لهم فيه، وعند النهاية يعطون الجوائز بعض أصدقائهم، ويقولون فاز بها فلان وفلان!! وتذهب تلك الأشياء على أولئك الذين يسعون طوال أوقاتهم رجاء الفوز بها! وقد فعلوا مثل ذلك حتى في الأعمال المحرمة مثل الدعاية إلى شرب الدخان ونحو ذلك؛ لأن تُجَّاره وسماسرته أرادوا من الناس أن يتهافتوا على شرب الدخان! وجعلوا لمن جمع لهم من الباكتات كذا وكذا جائزة، أو جعلوا لمن أتاهم بعلامة في بعض الباكتات جائزة، وأرادوا من الناس أن يقعوا في مثل هذا الحرام! وأرادوا كذلك من الناس أن يشتروا سلعتهم بثمن باهظ، وأن يأخذوا أموالهم بذلك، وأغووهم بهذه الجوائز التي قد تصل إلى سيارة مثلا، كل ذلك من أجل أن يحثوا الناس على أن يفعلوا هذه الأفعال ليكتسبوا أموالهم فتربوا بذلك تجارتهم، وتكثر أموالهم على حساب المستهلكين وعلى حساب ضعفاء الناس، فيقول الواحد: ما عليَّ لو دفعت ريالا أو خمسة أو ما أشبه ذلك؟! ربما أدفع هذه الخمسة فلا تضر بي، فأكسب من ورائها ألفا أو سلعة بألفين أو عشرة آلاف!! فيدفعها، ويقول: لا تضر، وما يدري أن هذه الخمسة التي دفعها قد أعان بها على المنكر، وأنه لو أمسكها على نفسه لوجد لها مصرفا يصرفها فيه؛ فإن ذلك أجدى من أن يعين بها هؤلاء الطغاة والبغاة الذين حرصوا على اكتساح واكتساب أموال الناس بالباطل! ويدخل في القمار أيضا ما يسمى في هذا الزمان باليانصيب وله صور وأشكال كثيرة. ولقد صدرت فتوى من هيئة كبار العلماء ومن اللجنة الدائمة للإفتاء بتحريمه وأنه من أنواع القمار. ويدخل أيضا في أنواع القمار ما يفعله المشعوذون، وهذا أيضا عمل شيطاني، وهو للأسف قد انتشر في هذه البلاد، وفي بلاد أخرى تنتمي إلى الإسلام، أو غيره! ذلك أن هناك أناس يستخدمون الشياطين فإذا استخدموا الشيطان استطاعوا أن يدوروا على الإنسان ويمثلوا له الشيء بغير صورته، وأن يغشوا على بصره ويلبسوا عليه فيخيل إليه الشيء بغير ما هو عليه، وجميع حِيَلهم شيطانية، وبعدها يكتسحون ما معه من مال فيأخذون الأشياء التي معه دون أن يشعر هو بشيء؛ حيث يفعلون ذلك وهو في غفلة كشبه المغمى عليه. فهذا قمار شيطاني يفعله هؤلاء المشعوذون فيحتالون على أموال الناس ليأكلوها بالباطل. وهؤلاء ينبغي الحذر منهم، وينبغي أن نعرف حيلهم الشيطانية، ونعرف أولا أنهم شيطانيون سحرة! فهم لا يفعلون ذلك إلا بعدما تساعدهم الشياطين، فهم يتقربون إلى الشيطان، وينادونه باسمه، وقد يعبدونه وقد يركعون له، ويسجدون له، وقد يتركون لأجله شيئا من العبادات، وقد يفعلون شيئا من النجاسات ويطيعونه، وما أشبه ذلك!! فالشيطان يقدر أن يتمثل للإنسان في صورة غير صورته؛ لأن الله أعطاه قوة التشكل، وما أعطاه أعطى الجان مثله! فإذا وصل إلى هذه الحالة يستطيع أن يُزَوِّر على الناس، فيظهر مثلا الورقة التي يظنها الإنسان من فئة المائة ريال، وهي من فئة الريال مثلا، فيعطيه إياها، ويقول: هذه المائة أعطني بها كذا وكذا!! وكذلك قد يأخذ النقود التي في جيبه دون أن يشعر ذلك الإنسان به! فهؤلاء الذين كثرت حيلهم وأعمالهم الشيطانية هم من المقامرين، فأفعالهم هذه قمار يأخذون بها أموال الإنسان بحيل شيطانية! |