وسئل فضيلة الشيخ: هل كتم الرسول -صلى الله عليه وسلم- شيئا من أمر الدين مدارة خوفا على الدعوة؟ فأجاب: لا يجوز اعتقاد ذلك، فمن اعتقد أنه -صلى الله عليه وسلم- كتم شيئا مما أوحي إليه فقد اعتقد نقص الشريعة، وخيانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روى البخاري عند تفسير قوله -تعالي- { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } . عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: { من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب، وهو يقول: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } } . وفي الصحيح أيضا عنها -رضي الله عنها- قالت: { لو كان محمد -صلى الله عليه وسلم- كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية: { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } } أخرجه مسلم برقم (177)- 287. . وقد أخبر الله -تعالى- أن وظيفته البلاغ، فقال -تعالى- { إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ } . وقال -تعالى- { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ } . وحيث إنه -صلى الله عليه وسلم- قد أمر بالبيان والبلاغ، فإننا نعتقد أنه بلغ البلاغ المبين، وبين للناس ما نزل إليهم، كما أمره الله -تعالى- بذلك. ومن قرأ سيرته، وسبر أخباره، عرف ما بذله من جهد في البلاغ والدعوة، حتى كان يعرض نفسه على القبائل في المواسم، فيقول: { من يجيرني حتى أبلغ كلام ربي } أخرجه الترمذي برقم (2925). وأبو داود برقم (7434). وابن ماجه برقم (201). والدارمي برقم (3354). وأحمد في المسند: (3/ 395) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وغيره. قال الترمذي: هذا حديث غريب صحيح. رواه أبو داود وغيره ولما عرض عليه عمه أبو طالب أن يتوقف عن دعوة المشركين، قال: { والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، ما تركت هذا الأمر، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه } أخرجه ابن إسحاق في المغازي (1/ 284-285) انظر: سيرة ابن هشام. وقد ضعفه العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (909)- (2/ 310). فكيف مع ذلك يظن أنه كتم شيئا من أمر الدين مداراة خوفا على الدعوة؟! فإن هذا ينافي كمال الدين. وقد أخبر الله -تعالى- أنه أكمله بقوله -تعالى- { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } وشهد الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته بقولهم: { نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت } جزء من حديث حجة الوداع أخرجها مسلم برقم (1218) - 147، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-. فمن ظن هذا الكتمان فقد ظن به ظن السوء، فعليه التوبة من ذلك، واعتقاد أنه -صلى الله عليه وسلم- قد بلغ رسالة ربه كما أمر. والله أعلم. |