س 80: وسئل -وفقه الله- بعض المدرسات المتعاقدات يلبسن الحجاب الكامل عادة؛ مجاراة للمجتمع وحياء ممن حولها من أخواتها المدرسات المواطنات، وتطبيقًا للنظام المفروض عليها من قِبل رئاسة تعليم البنات، فإذا سافرت إلى بلدها، أو خرجت إلى السوق، أو حتى عندما تمارس التدريس في بلدها تكشف وجهها، ولا ترى بوجوب ستر الوجه، فما حكم كشف الوجه للرجال الأجانب مع ذكر الأدلة في ذلك؟ فأجاب: وجه المرأة هو مجمع المحاسن، وهو الذي يحصل بالنظر إليه الفتنة والاندفاع إلى الشر؛ لأنه محل الزينة والجمال، ويسمى كشفه إسفارًا، وكأنه يسفر عن غيره من الزينة، وهو أيضًا التبرج الذي نهى الله -تعالى- عنه بقوله: { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } ؛ أي: لا تظهرن الوجوه والمحاسن كعادة الجاهلية، واشتقاقه من البرج وهو البناء الرفيع؛ حيث إن إبداء الوجه يلفت الأنظار ويحدق الكل إليه من بعيد، كأنه برج مرتفع. وقد أمر الله نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته ونساء المؤمنين باللباس الساتر بقوله -تعالى- { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } ؛ أي: يتسترن ويغطين أجسادهن ومنها الوجوه، وقالت عائشة { كنا إذا حاذانا الرجال، ونحن محرمات، سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه } سنن أبي داود - كتاب المناسك - باب في المحرمة تغطي وجهها [2 / 416]، "1833"، جامع الأصول [3 / 31]، "1304"، قال عبد القادر الأرناؤوط محقق الكتاب: وفي سنده يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي الكوفي وهو ضعيف، وقال الألباني في مشكاة المصابيح [2 / 823] " 2690": إسناده جيد. . فهذا تسترهن في الإحرام، وقد نهى الله -تعالى- النساء عن إبداء الزينة إلا للزوج والمحارم بقوله: { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } الآية، فمتى كشفت وجهها فقد أبدت زينتها لغير المحارم وذلك مخالفة للقرآن، وكذلك قال -تعالى- { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } والخمار ما يغطى به الرأس، أمرها -تعالى- أن تسدل خمارها من فوق الرأس حتى يستر فتحة الجيب، ولا شك أن الفتنة بالوجه أشد من فتحة الجيب الذي هو مدخل الرأس، كما نهاهن عن الضرب بالأرجل حتى يعلم ما يخفين من زينتهن؛ أي حتى بصوت الخلخال الذي في أسفل الساق مستورًا بالثوب. وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذيول النساء فقال: { يُرخِينَ شبرًا. فقيل: إذًا تبدو أقدامهن؟ فقال: يرخين ذراعًا } تقدم تخريجه ص31 رقم الفتوى "29". وذيل المرأة هو أسفل الثوب الذي يلي الأرض، أمرهن أن يرخين -أي يدلين- الثوب على الأرض بقدر ذراع؛ مخافة أن يبدو القدم عند مشيهن، فإذا كان هذا في القدم فكيف بالوجه، وقد قال ابن عباس وغيره في قوله -تعالى- { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } قالوا: تغطي وجهها بخمار صفيق وتبدي عينًا واحدة للنظر، وقد { نهيت المرأة في الإحرام عن لبس النقاب والقفازين } البخاري "الفتح" كتاب جزاء الصيد - باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة [3 / 63] "1838". وهو دليل على أنها تلبسه في غير الإحرام، ولكنه كان ضيق الفتحات بحيث لا يبدو سوى حدقة العين، فعلى هذا نقول: إن هؤلاء المتعاقدات والوافدات قد أخذ عليهن أن يلتزمن بتعاليم الدين الإسلامي داخل هذه البلاد التي تحكم بالشرع، وألا يتبرجن ولا يتكشفن، لكن حيث إنهن قد تعودن هذا التبرج في بلادهن التي تحكم بالقوانين، والتي قد أثر فيها الاستعمار الأفرنجي؛ فإن الواجب الأخذ على أيديهن ومنعهن من السفور والتبرج في الأسواق والمجتمعات، كما أخذ عليهن العهد بذلك، وكما تقتضيه تعاليم الإسلام، فمن أصرت وعاندت ألغي عقدها ورُدت من حيث جاءت، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. |