وسئل وفقه الله: هل تبرأ الذمة لإنكار المنكر مرة واحدة أم أن الواجب الاستمرار؟ فأجاب: الإنكار بالقلب يلزم الاستمرار عليه، بأن يكره هذا العاصي ويمقته، ويظهر له الاحتقار والغضب، ولا يلقاه إلا بوجه مكفهر عابس، كي يشعر بأنه بغيض عند الناس، ذليل مهين، ولا ينخدع بمنصبه أو مكانته أو ثروته، أو كثرة من يشجعه، عندما يرى أهل الخير والصلاح ينفرون منه، ويحذرون من مجالسته، فهذه المعاملة مع هذا النوع لا تتوقف حتى يرجع إلى الحق ويقلع عن الذنب. فأما الإنكار باللسان فإنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، فمن عرف بمحبة الخير والقرب من الصالحين، والتعاطف مع من ينصحه وينكر عليه، فمثل هذا لا تبرأ الذمة بالإنكار عليه مرة واحدة، بل يحتاج إلى تكرار النصيحة، ويزداد الوعظ والتذكير، ويكون الإنكار باللسان كلاما لطيفا لينا، رجاء أن يتأثر ويقلع ولو بعد حين. أما من عرف عنه العناد والاستكبار، ورد الحق والتمادي في الغي، فأرى أن مثل هذا يكتفى بالإنكار عليه مرة واحدة باللسان، فإنه مع التكرار قد يبدر منه كلام سيئ يرد به النصيحة، فأقل ما يقول أمثال هذا عبارة: قد بلَّغت وقد نصحتنا، وجُزيت خيرا، أو أنا أعرف ما تقول، وهذا لا يخصني، والناس سواي كثير، أو عليك بنفسك، نحن نعلم كما تعلم، وما أشبه ذلك من العبارات، ولكن يعامل هؤلاء بالاحتقار والمقت، وإظهار الكراهية لأفعالهم، وتحذير الناس من مجالستهم، مخافة أن يستشري شرهم، ويفشو المنكر بسببهم. والله أعلم. |