سئل الشيخ وفقه الله لكل خير: نود من فضيلتكم أن تبينوا لنا بعض الأمثلة المهمة للمعروف، وبعض الأمثلة المهمة للمنكر، مع ذكر الدليل باختصار؟ فأجاب: أكبر أمثلة للمعروف هو: توحيد الله -تعالى- وإخلاص العبادة له: فهو الذي بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- وبدأ الأنبياء بدعوة أُممهم إليه، فتأمر كل مسلم بعبادة الله -تعالى- وتوضح لهم معناها وأنواعها، وما يترتب عليها من الثواب والأجر، فتأمر بالإكثار من دعاء الله -تعالى- والرغبة فيما عنده، وخشية الله والخشوع له والاستكانة بين يديه، وتأمر بمحبة الله -تعالى- ومحبة عبادته وطاعته، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتلاوة كتابه وتدبره، وما إلى ذلك من أنواع العبادة القولية والعملية. وأكبر أمثلة للمنكر هو: الشرك بالله: فإنه الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة، لقول الله -تعالى- { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } . وليس الشرك أمرا كان فبان، أو وقع وانقطع، بل هو موجود وكثير في من يتسمى بالإسلام، فواجب الموحد أن ينهى من وقع منه شيء من وسائل الشرك أو أنواعه، سواء كان شركا أكبر، أو أصغر، كالاستغاثة بغير الله، ودعاء الأموات، والاعتكاف عند القبور، وتحري الصلاة عند القبور، والدعاء عندها، وكالحلف بغير الله، والاستعاذة بغيره، وتسويته بالمخلوق في الألفاظ، نحو: هذا من الله ومنك، ولولا الله وفلان، وكتعليق التمائم والتعاويذ والأوتار، ومثل إتيان السحرة والكهنة والمشعوذين والمنجمين، وتصديقهم فيما يقولون، وكتعظيم المخلوقين فعلا أو قولا، ووصفهم بصفات الخالق، سواء أحياء أو أمواتا، كعلم الغيب، والتصرف في الكون، وكالتحاكم إلى غير الله، وتقديم القوانين وأحكام الطواغيت على حكم الله، وأمثلة كثيرة واقعية في الأمة، يجب النهي عنها وتغييرها. ومن أمثلة المعروف أيضا: الصلوات المكتوبة: فإنها الركن الثاني من أركان الإسلام، وقد كثر التهاون بها، فتركها خلق كثير، وهم ينتسبون إلى الإسلام، وقد قال عمر -رضي الله عنه- لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة أخرجه مالك في الموطأ (1/39) في الطهارة (51)، عن المسور بن مخرمة: أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم. ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى عمر، وجرحه يَثْعَبُ دمًا. . كما أن الكثيرين قد تهاونوا بأدائها جماعة، وهجروا المساجد، أو أخروها عن وقتها، وتركوا الطمأنينة فيها، فخف قدرها في نفوسهم، فهي من أولى ما يعتني به المحتسب، ويهتم بالأمر به، لتحصل فائدتها المذكورة في قوله -تعالى- { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } . ومن أمثلة المعروف: أداء الزكاة المفروضة: فهي حق الله في الأموال، وقد قاتل الصحابة مانعيها، وقد كثر البخل بها ومنع إخراجها، أو الاكتفاء ببعضها، أو المحاباة بها، رغم الحاجة إليها في المجتمع. وهكذا من أمثلة المعروف: تلاوة القرآن وتدبره، والاعتناء به، والحرص على حفظه وقد كثر الإعراض عنه وهجره، والانشغال عنه بما لا أهمية له من سماع إذاعات، أو قراءة صحف، أو النظر في الأفلام والصور، مما يصد عن ذكر الله وعن تلاوة كلامه، ونحو ذلك، فترى أكثرهم لا يعرفون القرآن ولا يفهمونه، ولو كانوا من حملة المؤهلات العالية والمناصب الرفيعة. ومن أمثلة المنكر الظاهرة: كثرة السحرة والكهنة والمشعوذين الذين يستخدمون الشياطين، ويذبحون لهم ويطيعونهم، ويضرون بالمسلمين، بما يحصل منهم من الأعمال السحرية، وتسليط أوليائهم من الجن على الأبرياء الأتقياء، فمثل هؤلاء عقوبتهم القتل، لقوله في الحديث: { حد الساحر ضربه بالسيف } أخرجه الترمذي برقم (1460). والحاكم في المستدرك (4/ 360) عن جندب -رضي الله عنه-. قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع: هو ثقة ويروي عن الحسن أيضا، والصحيح عن جندب مرفوعا، والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس. قال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر فلم نَرَ عليه قتلا. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وإن كان الشيخان تركا حديث إسماعيل بن مسلم فإنه غريب صحيح. ووافقه الذهبي. وانظر: نيل الأوطار للشوكاني (7/ 362، 363). وقال ابن كثير في التفسير (1/207): قد رواه الطبراني من وجه آخر عن الحسن عن جندب مرفوعا. وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 48). وقد افتتن الناس بهم، وكثر الذين يأتون إليهم، ويصدقونهم، مع قول النبي -صلى لله عليه وسلم- { من أتى كاهنا أو عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- } أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/408، 429، 476). وأبو داود برقم (3904). والترمذي برقم (135). والدارمي (1/ 259). وابن ماجه برقم (639) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. وصححه الحاكم، وقواه الذهبي، وقال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. وقال الأرناؤوط في شرح السنة (12/ 182): إسناده قوي. وقال أحمد شاكر في سنن الترمذي (1/ 244) عند الحديث رقم (135): وهذا إسناد صحيح متصل. والواجب نهيهم عن هذا العمل الشركي، ودعوتهم إلى التوبة، أو الرفع بأمرهم إلى من يقيم الحد عليهم. ومن أمثلة المنكر الظاهرة: الاعتداء على حقوق المسلمين، على الدماء والأموال والأعراض فقد كثر أهل الظلم والعدوان. فكم سفكت الدماء؟! وكم نهشت الأعراض؟! وكم سلبت الأموال؟! وكم نسمع وقائع السرقة والنهب والسلب، وأخذ المال بغير حق؟ ولا شك أن ذلك كله بسبب ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله -تعالى- وغلبة حب الدنيا ومتاعها على الآخرة، والواجب نحو هؤلاء تخويفهم وتحذيرهم من العقوبة العاجلة والآجلة، وكذا الأخذ على أيديهم، وإقامة الحد الشرعي بالقصاص وقطع الأيدي، والتنكيل الذي يردعهم ويزجر أمثالهم. ومن أمثلة المنكر الظاهرة: كثرة من يتعاطى المسكرات والمخدرات كالخمور والحشيش، وحبوب الكنغو، وشرب الدخان، وأكل القات، والنارجيل والشمة ونحوها، وقد تمكنت هذه الشرور واستشرى ضررها، وفتكت بالمجتمع، واستعملها الأعداء سلاحا فتاكا بالعقول، وقد انهمك فيها ضعفاء البصائر، والسفهاء من المسلمين، فأتلفوا أموالهم، وقضوا على معنوياتهم، وهؤلاء أولى بالشدة والحزم، والأخذ على أيديهم، وعقوبتهم بالقتل والجلد وذلك لقطع دابرهم. ومن أمثلة المنكرات الظاهرة: التبرج والسفور في النساء وذلك موجود وكثير في الأسواق والمدارس، والمستشفيات والحافلات، كما توجد صور النساء اللاتي هن شبه عاريات في الصحف والمجلات والأفلام، وقد سبب ذلك الافتتان، وانتشار الزنى ومقدماته، واختطاف الفتيات من الأسواق، ومن أبواب المدارس والعيادات، كما سبب كثرة المعاكسات والمغازلات سرًّا وجهرًا، بواسطة المراسلات، والاتصالات الهاتفية، وتحديد المواعيد، والاتفاق بين الجنسين على فعل الفواحش، ونتج عن ذلك انتشار بيوت الدعارة، وتمكن فاحشة الزنى واللواط ومقدمات ذلك، وأكثر الأولياء في غفلة من نسائهم وأولادهم، منهمكون في ملذاتهم وشهواتهم، فابتلوا في محارمهم بمثل تلك الجرائم، ولو حصنوا أنفسهم، واقتصروا على الحلال لحفظهم الله في أهليهم وأولادهم، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- { عفوا تعف نساؤكم } أورده الهيثمي في المجمع (8/ 81، 138- 9/ 129). والمنذري في الترغيب (3/ 493). والهندي في الكنز (13012) و(13013). وفي الحديث: { احفظ الله يحفظك } أخرجه الترمذي برقم (2516). وأحمد في المسند (1/ 293، 303، 307). والحاكم في المستدرك (3/ 541). والقرطبي (6/ 398). والطبراني (2/ 238). وأورده النووي في الأربعين النووية رقم (19). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (2669) و(2763) و(2804): إسناده صحيح. . فعلى من لَاحَظَ شيئا من هذا المنكر أن يغيره بحسب القدرة، وأن ينبه أهل الغفلة من الأولياء على ما وقع فيه أهلوهم، من الفساد ومقدماته. ومن أمثلة المنكر الظاهرة: عقوق الوالدين، وقطع الأرحام، والتهاجر بين الإخوان والأقارب مع ما ورد في ذلك من الوعيد الشديد، فإن حق الأبوين كبير، ولذلك قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } . ومن المنكرات الظاهرة: حلق اللحى، وترك الشوارب وهو خلاف ما جاءت به السنة، وفيه التشبه بالنصارى والكفار، وليس فيه جمال ولا زينة. ومن المنكرات: التكبر والاختيال الواقع في الكثير من أهل الثروات والمناصب الرفيعة، ومن تكبر على الله وضعه. كما أن من المنكرات: الإسبال في اللباس وإطالة الأكسية، كالمشالح والسراويلات، والقمص، ونحوها، وفيه وعيد شديد يعرفه أغلب من يفعله. ومن المنكرات: الإسراف في الولائم وإفساد الأطعمة، وبذل الأموال الطائلة فيما لا فائدة فيه. وكذا الغيبة والنميمة، والحسد، والظلم، والكذب، وشهادة الزور، ونحو ذلك. والله أعلم. |