يجب على كل فرد من أفراد المسلمين أن يتفقد نفسه ويحاسبها، فإذا أحس من نفسه بخلل أو نقص بادر إلى تغييره وإصلاح نفسه، وما وقع فيه من الخلل أو النقص أو التقصير. وإن جاءك أحد من زملائك أو مشايخك أو أصدقائك وأهدى إليك نصيحة لأمر وجده عليك، فعليك أن تتقبل نصحه وإرشاده إن كان محقا فيما يقول، وتدعو له في وجهه وفي ظهر الغيب، وتشجعه على إرشاده إياك. ثم تعمل بما نصحك وأرشدك، فرحم الله من أهدى إلينا عيوبنا. وإن كان لك عذر، اعتذرت عنه، وبينت أن عذرك في هذا النقص كذا وكذا. ولا مانع من أن يعرض المسلم نفسه على مشايخه وزملائه ويقول: يا شيخ، أو يا فلان، أنا عملت كذا وكذا، وأريد أن ترشدني، أو يقول: يا فلان تعرفني منذ سنوات، فماذا تنتقد علي، وأي نقص تجده فيّ؟ فإن أرشده ونصحه فعليه أن يفرح ويُسرَّ؛ لأنه ما نصحك وأرشدك إلى الخير إلا لمحبته لك. وعلى المسلم إذا سمع نصيحة لواعظ أن يسأل نفسه: هل هو ممن عمل بها وطبقها؟ أو أنه أهمل العمل بها أو أخل بشيء منها؟ فإذا رأى نفسه قصرت في شيء من ذلك فعليه أن يتلافاه ويراجع نفسه ليكون من الكُمَّل، والإنسان العاقل يحرص على أن يكون كاملا كمالا بشريا. وعلى المسلم أيضا أن يكون من الحريصين على الدعوة إلى هذا الدين وهذا الإسلام، ومكافحة ومجاهدة أهل الباطل وأهل الضلال والرد عليهم ورد مكائدهم وضلالهم عليهم، وعلى بث تعاليم الإسلام وروحه بين المسلمين. وكذلك على المسلم أن يكون ممن يعمل على جمع كلمة المسلمين علمائهم وعبادهم وطلابهم، حيث إن هدفهم وقصدهم واحد، وهو تحقيق الإسلام، وتحقيق التوحيد، وتحقيق العقيدة -عقيدة أهل السنة والجماعة- وكذلك كلهم على منهج واحد هو منهج السلف الصالح. فإذا سمعنا أن فلانا يحقد على فلان فعلينا أن نجمع بينهما؛ فنسعى بالإصلاح بين الزملاء، والأقارب، والعلماء وغيرهم. فإذا تبين الخطأ في جانب أحدهم فعليه أن يعتذر عن خطئه وأن يرجع عنه. هذا هو واجب المسلم الناصح لإخوانه وكثيرا ما يقع الشقاق والفرقة والخلافات بين الشباب -وهذا ما يسوءُنا- فتجد هؤلاء متحزبين على أمر يخالفون فيه الآخرين، وهذا التحزب والفرقة هو مما يفرح الأعداء -أعداء الله وأعداء دينه- من المبتدعة، والضلال، ودعاة الكفر والمعاصي، فهم يحبون أن نكون أحزابا وشيعا: { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . بينما هم -أي العلماء والدعاة ونحوهم- يحبون أن يكونوا حزبا واحدا، متكاتفين مجتمعين لتكون لهم السيطرة والسلطة. فإذا كان الإسلام يدعو إلى الاعتصام بحبل الله، كما قال -تعالى- { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } . ويذم الذين تفرقوا كما قال -تعالى- { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } كانوا شيعا يعني: أحزابا، وفرقا ضالة. وقال الله -تعالى- { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } فرقوا دينهم يعني: أنهم ساروا على منهج، وسار الآخرون على منهج آخر، ودين الله واحد. فإذا كان دين المسلمين وعقيدتهم وكتابهم ونبيهم واحدا، فلماذا هذا التفرق ولماذا هذا التحزب؟ إن هؤلاء الذين فرقوا بين شباب المسلمين وأوقعوا الوحشة بينهم وبين علمائهم، وسببوا إساءة الظن بالعلماء والعباد، وأهل الخير والدعاة إلى الله، ونقلوا عنهم ترهات وأكاذيب، هم رسل الشياطين، ورسل أعداء الدين، الذين يصدون عن الخير، ويدعون إلى الشر، قال الله -تعالى- { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ } . بدأ بشياطين الإنس قبل شياطين الجن، وأخبر بأن شياطين الجن توحي إلى شياطين الإنس بقوله -تعالى- { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ } يوحي بعضهم يعني: يوصي بعضهم بعضا بهذه الزخرفة، وهذا الباطل. ونحو ذلك؛ فإن الشياطين يوحون إلى أوليائهم ويجادلونكم: { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } . فإذا علمنا أن هذه الإساءة، وهذه الظنون السيئة إنما يروجها أعداء المسلمين، وأولياء الشياطين، فلا ينبغي الإصغاء إليهم، وعلينا أن نحسن الظن بعلماء المسلمين، ونعذرهم إذا أخطئوا في الاجتهاد أو الرأي، ونعتذر عنهم، وإذا أشكل علينا شيء من أمرهم، فعلينا أن نتصل بهم ونستفسرهم، ولا نأخذ الأمور على علاتها، ولا نلقي كلاما على عواهنه، ولا نصدق كل ما يقال، أو كل ما يذاع، أو كل ما نسمع؛ بل يجب أن نتثبت من الأمور، ونتحقق من صحتها ونرد الباطل على من جاء به. وقد أمرنا الله -تعالى- بالتثبت والتبين، بقوله -تعالى- { إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } أي: تثبتوا واصبروا، حتى يتبين لكم صحة ما جاء، أو يقال. فإذا تثبتنا في هذه الأمور، رجي بذلك أن يحصل لنا التأني فيها، وأن نكون على بصيرة من أمرنا. هذا كله مما ينبغي أن نتواصى به، وهو التثبت في الأمور، وإحسان الظن بعلماء المسلمين، ودعاتهم والمصلحين منهم. ومن علامة الإصلاح أو الصلاح الثناء الحسن من جماهير المسلمين لذلك الداعي، أو العابد، أو العالم، فإن هذه علامة واضحة في أن ذلك الداعي محبوب عند الله -تعالى- وعند عباده. وقد ورد في صحيح مسلم وغيره { أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر عليه بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال: "وجبت"، وأثني على أخرى شرا، فقال: "وجبت"، ثم قال: هذا شهدتم عليه بالخير وأثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، فأنتم شهداء الله في الأرض } أخرجه مسلم برقم (949). عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-. . وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا بأن الله -تعالى- إذا أحب عبدا نادى جبريل إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه أهل السماوات، ثم يوضع له القبول في الأرض، وكذا إذا أبغض عبدا أخرج بعضه البخاري برقم (3209) و(6040) و(7485). وأخرجه مسلم برقم (2637). عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. ودليل ذلك من القرآن قوله -تعالى- { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُالرَّحْمَنُ وُدًّا } أي مودة في قلوب الناس. يقول ابن مسعود -رضي الله عنه- "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وقوة في الجسم، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس، وإن للسيئة ظلمة في الوجه، وسوادا في القلب، ووهنا في الجسم، وضنكا في المعيشة، وبغضا في قلوب الناس". ويقول الحسن "ليتق الله أحدكم أن تلعنه قلوب الناس وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله في قلوبهم له بالبغضاء، وإن لم يعلموا عنه إلا شيئا ظاهرا". ولكن لما أنه صار يستحسن المعاصي، ويخلو بها، جعل الله ظلمة في قلوب أهل الخير منه، وهذه علامة على أنه ممقوت عند الله وعند عباده. وعلينا أن تكون أهدافنا ومقاصدنا لله -تعالى- وأن نقصد رضاه وحده، لا نقصد رضا أي مخلوق. نرضي الله -تعالى- ولو سخط علينا من سخط، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { من التمس رضا الله بسخط الناس -رضي الله عنه- وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس } أخرجه الترمذي برقم (2414) وابن حبان في صحيحه (1541 و1542- موارد) وأبو نعيم في الحلية. عن عائشة -رضي الله عنها-. وأورده الهيثمي في المجمع (10/ 225). والمنذري في الترغيب (3/ 200). قال المنذري: رواه الطبراني بإسناد جيد قوي. . وفي رواية: { عاد حامده من الناس له ذاما } رواه البزار كما في كشف الأستار برقم (3568) والهيثمي في المجمع (10/ 225) وابن حبان في صحيحه (277) والبيهقي في الزهد الكبير (890) عن عائشة -رضي الله عنها-. وإسناده حسن. وفي الحديث الآخر: { إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تمدحهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره } أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 106) و(10/ 41)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (1/ 525، 526) رقم (203)، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وأعله بمحمد بن مروان السدي، وقال: ضعيف، وفيه أيضا عطية العوفي وهو صدوق يخطئ كثيرا وكان مدلسا. . فعلينا أن نخلص أعمالنا لله -تعالى- وأن نقصد وجه الله ورضاه، لعل الله أن يقوي إيماننا ويثبتنا، فنكون من الذين يصدعون بالحق، الذين مدحهم الله بقوله: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ } فوصفهم بهذه الصفات، فبدأها بأنه يحبهم، وأنهم يحبونه، ثم ختمها بأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، وقد أكد هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في إحدى وصاياه السبع التي أوصاها لأبي ذر، ختمها -صلى الله عليه وسلم- بقوله: { وأن لا أخاف في الله لومة لائم، وأن أقول الحق وإن كان مرا.. } أخرجه أحمد في المسند (5/159). وابن حبان (2/194) رقم (449). والبيهقي في السنن (10/ 91) وأبو نعيم في الحلية (1/159، 160) وصححه الأرناؤوط في تخريجه لابن حبان (2/ 194- إحسان). . فإذا صدع المسلم بالحق ولو كان ثقيلا على نفسه أعزه الله -تعالى- وعذره الخاص والعام وعرفوا أنه ممن لا يخاف إلا الله -تعالى- وجعل الله له مخرجا، وحصلت له صفة التقوى، التي مدح الله عليها، ووعد عليها خيرا بقوله -تعالى- { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } . والله -تعالى- أعلم وأحكم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. |