وللعالم الذي يحمل هذا العلم منزلة رفيعة قد بُينت في عدة مواضع: من ذلك أن حملة العلم شهداء الله -تعالى- الذين أشهدهم على وحدانيته، وقرنهم بنفسه وبملائكته، اقرءوا قوله تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ } فأشهد نفسه على أنه الواحد لا إله إلا هو، وأشهد معه ملائكته، وأشهد أولي العلم خاصة، ولم يستشهد بأولي الجهل، ولا أولي التجاهل، ولا شك أن هذا شرف لك أيها العالم، شرف لأولي العلم؛ حيث قرن الله -تعالى- شهادتهم بشهادة الملائكة، وما ذاك إلا أنهم هم الذين عرفوا حق الله على عباده، وعرفوا أيضا وحدانيته، وعرفوا الأدلة الدالة على ذلك، وعرفوا ما خلق الناس لأجله، فنطقوا بهذه الشهادة وأعلنوا العمل بها، ودعوا الناس إليها، فلا جرم أن أصبحوا من شهداء الله -تعالى- على وحدانيته، وكفى بذلك شرفا وفخرا. ومن الأدلة على فضل أهل العلم أنهم أهل خشية الله الذين يخشونه، ولا يخشاه غيرهم، اقرءوا قول الله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } سورة فاطر المعنى أن الخشية خاصة محصورة في أهل العلم دون غيرهم، أما أهل الجهل فلا تكون معهم الخشية المطلوبة المنجية من عذاب الله؛ ذلك لأن العالم يحمله علمه على مخافة الله، وعلى تقواه، وعلى التورع عمَّا حرمه، وعلى الإقدام على العبادة، وعلى التجاوب والتقبل لما جاءه عن ربه، وتحمله هذه المعرفة على شدة الخوف من الله دون غيره، وهذا ما جعل أهل العلم هم أهل خشية الله دون غيرهم. والخشية عبادة من أنواع العبادات، بل هي من أجل العبادات. وقد ذكر الله أنها سبب لثواب عظيم وأجر كبير، ألا وهو دخول الجنة والنجاة من النار. فقال -تعالى- في آخر سورة البينة: { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي: هذا الثواب الجزيل كله لمن خشي ربه، أي: لأهل الخشية. ومن هم أهل الخشية؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء، فأهل هذا الجزاء هم العلماء، هم الذين يحملهم علمهم على مخافة الله وعلى خشيته، وكفى بذلك ثوابا جزيلا. كذلك كذب الله التسوية بينهم وبين غيرهم في قوله تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } وحذف الجواب لأنكم تعرفونه، والمعنى: لا يستوون، بل أهل العلم أفضل وأقدم وأرفع درجة وأكثر معرفة وأصوب عملا؛ حيث إنهم يعملون على بصيرة وبرهان، وأما الذين يعملون على جهل فأكثرهم أعمالهم مردودة، لا سيما إذا ظنوا أنهم على علم، وهم على جهل، وهو الجهل المركَّب، وقد يوصف بالجهل غير المركب وهو الجهل البسيط. |