س1: هل يدخل أصحاب العلم المادي في قوله تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } ؟ وكذلك هل يدخل من طَلَبَ ذلك العلم في فضل طَلَبِ العلم؟ الإجابة: العلم المادي قد يكون واجبا وجوبا كفائيا، وقد يكون واجبا عينيا، ولا شك أن الإنسان بحاجة إلى أن يتعلم من أمور حياته ما تقوم به، فإذا كان ذلك من الواجبات العينية فإنه يثاب عليه، ولو لم يكن إلا المعاملة، معاملة الناس، كيف يعاملهم، فإن هذا أيضا من العلوم الأدبية، كيف يتعامل مع الناس في مجالسته وفي دخوله وفي خروجه وفي استئذانه وفي نومه ويقظته ولبسه وخلعه وأكله وشربه وقضاء حاجته وما أشبه ذلك. هذه من العلوم المادية، أما العلوم الدنيوية التي هي علم كسب المال إذا كانت في قدر الحاجة إليها فإنها من العلوم النافعة، كعلمه كيف يعرف كسب المال الحلال، وما المال الحلال وما المال الحرام، وطرق الكسب من البيع مثلا، أو الاحتراف أو الاستئجار، أو الاستغلال لما فيه غلة، أو نحو ذلك إذا كان بحاجة إلى ذلك؛ فإنه من العلم الذي كلف به، وأما الفضل والزيادة في ذلك على قدر الحاجة؛ فإنه لا يدخل في الآية. وبكل حال العلوم كثيرة وللإنسان أن يتعلم منها ما يقوم بكفايته، فإن كان -مثلا- تاجرا تعلم من التجارة ما يصح به كسبه، ولا يقع في الحرام، واقتصر من ذلك على ما تقوم به كفايته، وإن كان محترفا في حرفه خاصة حتى ولو حرفة خرازة أو دباغة أو خياطة أو بناء أو نحو ذلك من الحرف تعلمها بقدر ما تتم به حاجته، وهكذا الحرف الجديدة المستجدة، كهندسة وكهرباء وما أشبه ذلك، يتعلمها قدر الحاجة حتى ينفع نفسه وينفع بني جنسه، ولا يدخل ذلك فيما هو شاغل ومنهي عنه؛ لأن معرفة ذلك ينتفع بها الناس عند الحاجة ويرجعون إليه. ولكن على كل حال الأدلة التي وردت في مدح العلم إنما هو العلم الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- { الأنبياء إنما ورثوا العلم، لم يورثوا دينارا ولا درهما } فالعلم النافع هو ميراث الأنبياء. س2: أنا سأختم القرآن بعد فترة قليلة، وأريد أن أطلب العلم وحضور بعض الدروس، فبماذا تنصحوني؛ لكوني أبدأ من البداية، فأي الدروس أحضرها؟ وكيف أوفق بين طلب العلم ودراستنا في الجامعة والدعوة إلى الله؟ وكيف أوفق بين طلب العلم ودراستنا في الجامعة والدعوة إلى الله؟ الإجابة: أولا: هنيئا لك في حفظ القرآن، فما أعظمها من فائدة، ننصحك أن تكرر وتكثر من ترداد حفظك الذي حفظته من القرآن؛ حتى لا يذهب من ذاكرتك، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { تعاهدوا هذا القرآن، والله لهو أشد تفصيًا أو تفلتا من صدور الرجال من الإبل في عقلها } فأمرنا أن نكرره وأن نتعاهده، فعليك أن تكرره وتختمه في يوم أو يومين أو الأكثر في كل أسبوع، حتى يرسخ في ذاكرتك. ثانيا: لا نحرمك من بقية الأعمال كلها، وتستطيع أن تجمع بينها، تستطيع أن تقوم بالدعوة إلى الله، وذلك بمزاولة النصح والتذكير بعد الصلوات مثلا، أو بعد الجمعة، أو تتولى الخطابة في بعض الأحيان، في بعض الجوامع التي تستطيع الخطابة فيها ونحو ذلك، فتقوم بحظ منها ولا يشغل وقتا كثيرا، أعني ساعة كل يوم أو ساعتين كل أسبوع تجعلها في الدعوة إلى الله -تعالى- وذلك خير كثير. ثالثا: مجال التعليم تجعل له حظا أكبر، تجعل لك وقتا تطالع فيه في بيتك المهم من المسائل، مبتدئا بكتب العقيدة، ثم بعد ذلك كتب الفقه من أولها، وأما كتب التفسير فيصلح أن يُبتدأ من أولها أو من وسطها؛ وذلك لأنها غالبا غير مرتبة، ولأن من قرأها استفاد من أي موضوع حصل عليه. رابعا: من المجالات أيضا أن تجالس العلماء الذين لهم حلقات في العلم وتستفيد، ولو حضرت العلم من وسطه، فلك في ذلك فائدة، ولا تقُل إنني لم أبتدئ، هذا إذا كان عندك مبادئ، فإذا كنت قد عرفت مبادئ ذلك في دراستك النظامية قد عرفت مبادئ النحو واللغة ومعاني الكلمات الغريبة ودرستها ونحو ذلك فلا تحرم نفسك أن تجلس في حلقات العلماء، ولو أن التلاميذ قد سبقوك بما سبقوك فيه، لا شك أنك إن وجدت أهل فن قد ابتدءوا من أوله وانتظمت معهم فهو أفضل، فإذا وجدت مثلا أناسا قد ابتدءوا كتاب التفسير من أوله وانتظمت معهم لتكمله فهو أفضل وأعظم أجرا، وإن وجدت أناسا ابتدءوا في كتاب فقه من أوله، أو كتب العقائد من أولها، أو في كتاب التوحيد من أوله فانتظم معهم حتى تكمله؛ فإن ذلك أكثر فائدة، حيث تأتي للعلم من أوله إلى آخره؛ فالذي يواصل من أول الفن إلى آخره لا شك أنه يحصل على خير كثير. خامسا: من مجال التعليم السؤال لما يهمك ولما أنت بحاجة إليه، وقد يسر لك أسباب ذلك تستطيع أن تسأل بالهاتف، أو تتصل بعالِم وتستفيد منه، أو تبحث مع مدرسك مسألة من المسائل، وذلك يفيدك كثيرا. سادسا: من مجالات التعليم الاختلاط بالزملاء الذين قد مارسوا شيئا من العلم؛ فإنك تجد عندهم حلا لبعض المشاكل، وتجد فائدة زائدة على ما عندك، وإذا جلست في مجلس وأدلى هذا بكلمة وهذا بفائدة وهذا بمسألة حصلت الفوائد الكثيرة. سابعا: من المجالات أيضا المكتبات الخيرية التي في المساجد؛ فإن فيها الكثير من العلوم تستفيد إذا أتيت إليها أولا من الجلساء والعاملين لها والقائمين عليها تجد عندهم شيئا من التفاصيل عن هذه المكتبات وعن العلوم التي تحتوي عليها، ثانيا فيها الكتب والمراجع التي تكون مرجعا لمن يريد الاستفادة فتأخذ كتابا فتتصفحه فتعرف محتوياته وتعرف مسائله ولو لم تقرأه، إما بقراءة الفهارس ونحو ذلك مرة أو مرتين أو ثلاثا، فتعرف بعد ذلك كيف ترتيب ذلك الكتاب وكيف محتوياته، حتى إذا احتجت إلى مسألة استطعت أن تعثر عليها في وقت قصير؛ لأنك كررت النظر في فهارس هذا الكتاب، فتستطيع أن تستفيد من هذا الكتاب، وأما الجاهل بذلك فإنه قد يكون عنده عشرات الكتب التي فيها المسائل، يحتاج إلى مسألة ولا يدري كيف يستخرجها، كما هو ظاهر. ونشاهد أن كثيرا من حملة العلم الذين قد درسوا يحتاج إلى مسألة وهي موجودة في أسفل كتاب عنده، ومع ذلك لا يستطيع العثور عليها؛ وذلك لجهله بمحتويات هذه الكتب، والعلم بها أمر سهل يسير. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |