رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه

17- وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رأى ربه، فإنه مأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيح. رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أخرجه الترمذي برقم (3279)، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "رأى محمد ربه، قلت: أليس الله يقول: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ } [ الأنعام: 103 ]. قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقال: أُريه مرتين". قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال ابن كثير (4/ 250): رواه الترمذي في جامعه وابن أبي عاصم في كتاب السُّنّة له (1/ 188، 192)، وابن أبي حاتم في تفسيره، وابن مردويه أيضًا والحاكم في مستدركه. ثم قال: قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 285) عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رأيت ربي تبارك و-تعالى-". قال عبد الله بن أحمد: وقد سمعت هذا الحديث من أبي، وأملى علي في موضع آخر. قال أحمد شاكر (2580): إسناده صحيح. وهو في مجمع الزوائد (1/78)، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. . والحديث عندنا على ظاهره، كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم، والكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره، ولا نناظر فيه أحدًا. هذه مسألة خلافية، هل رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه؟ أثبت ذلك ابن عباس في هذه الأحاديث، وأنكرت ذلك عائشة وأنكرت على مَن يقول: إنه رأى ربه لحديث مسروق قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمتاه، هل رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلت، أين أنت مِن ثلاث مَن حدَّثكهنّ فقد كذب، مَن حدّثك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الحديث. أخرجه البخاري برقم (4855). ومسلم برقم (177). وورد في ذلك أحاديث فيها عدم الرؤية كما في حديث أبي ذر في صحيح مسلم قال: { سألت النبي-صلى الله عليه وسلم- هل رأيت ربك؟ فقال: نُور أنَّى أراه } أخرجه مسلم برقم (178) في الإيمان، باب: "في قوله عليه السلام: نور أنّى أراه، وفي قوله: رأيت نورًا". وفي رواية أخرى: { رأيت نورًا } أخرجه مسلم برقم (178/ 292). وهذا دليل على أنه إنما رأى نورًا . وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الله: { حجابه النور لو كشفه لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } أخرجه مسلم برقم (179) في الإيمان، باب: "في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام..."، من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، وفي رواية أبي بكر: "حجابه النار". . وفي الصحيح: { أن النبي-صلى الله عليه وسلم- رأى ربه رؤية قلبية } أخرجه مسلم برقم (176) في الإيمان، باب: "معنى قول الله عز وجل: { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى } "، عن عطاء، عن ابن عباس قال: "رآه بقلبه". لا رؤية بصرية، وبذلك فسرت الرواية عن ابن عباس قال ابن حجر في الفتح (8/ 474): "جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها". ثم قال: "وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب". اهـ. . والدليل أن الله قد منع ذلك موسى لما قال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } طلب موسى أن ينظر إلى ربه، فقال الله: { لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } إلى آخره. فرؤية النبي-صلى الله عليه وسلم- مكاشفات قلبية، لا رؤية بصرية، وذلك لضعف الإنسان في هذه الدنيا عن أن يَثبُت لعظمة الله وجلاله. أما في الآخرة فإن الله يُمِدُّ أهل الجنة بقوة يتمكنون من رؤيته ويثبتون أمام رؤيته الأدلة على إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة وقد سبق الإشارة إلى بعضها صفحة (56)، وصفحة (60). وليس خِلقتهم في الجنة كخلقتهم في الدنيا.