الرد على من استدل على أن عيسى ابن الله

[س 2]: ما ردكم -حفظكم الله- على من يستدل بهذه الآية من القرآن: { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } على أن عيسى ابن الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟ الجواب: وردت هذه الآية في سورة التحريم، قال الله تعالى: { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } وفي سورة الأنبياء: { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا } وهو صريح أن النفخ في مريم، وأنه وصل إلى فرجها فحملت بعيسى وقال تعالى في سورة مريم: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا } وهو الملك الذي قال: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا } وقد ذكر في التفسير أن الملك نفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى رحمها فعلقت بعيسى . والمراد بالروح: ما يخلقه الله من الأرواح التي تحصل بها الحياة كما حصل لآدم -عليه السلام- فقد قال تعالى: { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } فآدم قد نفخ الله فيه الروح وكذا عيسى خلق بهذه الروح التي هي من خلق الله كما قال تعالى: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } وقال تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا } فعيسى -عليه السلام- مخلوق من هذه النفخة التي هي من روح الله، أي من الأرواح التي خلقها ويخلق بها جميع البشر وأولهم آدم الذي قال الله تعالى عنه: { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ } فعلى هذا لا خصوصية لعيسى بهذه الروح، بل هو كغيره من المخلوقات من الأرواح والأجساد التي تتحرك وتتقلب في هذه الحياة، والله أعلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) تحقيق وتعليق د. علي بن حسن، د. عبد العزيز العسكر، د. حمدان الحمدان (3 \ 248) في بيان المعنى الصحيح لروح الله، قال: (وروح الله يراد بها الملك الذي هو روح اصطفاه الله فأحبها كما قال في القرآن { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا } فقد أخبر أنه أرسل إليها روحه فتمثل لها بشرا سويا، وتبين أنه رسوله. فعلم أن المراد بالروح ملك وهو روح اصطفاها فأضافها إليه كما يضاف إليه الأعيان التي خصها بخصائص يحبها. كقوله: { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } وقوله: { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } وقوله: { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } والمضاف إلى الله إن كان صفة لم تقم بمخلوق كالعلم والقدرة والكلام والحياة كان صفة له، وإن كان عينا قائمة بنفسها أو صفة لغيره، كالبيت والناقة والعبد والروح، كان مخلوقا مملوكا مضافا إلى خالقه ومالكه، ولكن الإضافة تقتضي اختصاص المضاف بصفات تميز بها عن غيره، حتى استحقاق الإضافة، كما اختصت الكعبة والناقة والعباد الصالحون بأن يقال فيهم "بيت الله "، "ناقة الله " و"عباد الله " كذلك اختصت الروح المصطفاة بأن يقال لها "روح الله". بخلاف الأرواح الخبيثة كأرواح الشياطين والكفار، فإنها مخلوقة لله ولا تضاف إليه إضافة الأرواح المقدسة، كما لا تضاف إليه الجمادات كما تضاف الكعبة، ولا نوق الناس، كما تضاف ناقة صالح). انتهى. أقول وبالله التوفيق. إن الشاهد في معنى روح الله هو: الملك المرسل من عند الله، كما قال تعالى: { قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا } وهنا أمر مهم يجب التنبيه عليه، وهو عندما نناقش النصارى في نبي الله عيسى -عليه السلام-، وأنه عبد الله ورسوله، استشهدوا لنا من القرآن بقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ } [النساء: 171]، قالوا: هذا دليل خاص لعيسى ابن مريم على أنه ابن الله- تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- لأنهم يزعمون أن الآية تعني أن روح الله حلت فيه وانتقلت إليه والعياذ بالله. ويرد عليهم: أن هذا ليس دليل خاص لعيسى ابن مريم -عليه السلام- بل جاء في آدم مثل ذلك قال الله تعالى: { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29] ، فلماذا لا يقال في آدم كما يقال في عيسى -عليه السلام-؟ بل آدم -عليه السلام- شرفه ربه أربع تشريفات؛ خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له وتعليمه أسماء الأشياء. والجمع بين الآيتين أن الله جل جلاله يقول: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فلا ميزة لعيسى -عليه السلام- في استشهادهم، بل إن آدم -عليه السلام- خلق من غير أب ولا أم، أما عيسى -عليه السلام- خلق من غير أب فأيهما يستحق التأمل؟ وأذكر بقول الله تعالى: { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [مريم: 35]، وقوله تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [مريم: 88- 95] .. فآدم وعيسى عليهما السلام أنبياء الله وخلق من خلقه تعالى، خلقوا بكلمة "كن" فكانوا كما أراد الله تعالى وتقدس. .