ثم قال هذا الكاتب في السطر الرابع في الصفحة الرابعة: وغاب عن هذا المجرم قوله تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } وقال عليه الصلاة والسلام: { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار } رواه البخاري برقم 31، عن أبي بكرة رضي الله عنه. . وقال: { سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر } رواه مسلم 2 / 44، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وقال تعالى: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } الآية... إلخ. جوابه: أن يقال أنت أيها القائل أولى بوصف الإجرام؛ حيث بالغت في نفي بعض صفات الله الكمالية التي أثبتها لنفسه، وحيث أجزت للناس دعاء غير الله أو التوسل بذوات المخلوقين الذي هو وسيلة إلى الإشراك بالله، وحيث روجت تلك الأكاذيب على أهل الجهل وضعفاء البصائر لتوقعهم في الضلال، وحيث ظلمت أهل العلم والدين ورميتهم بما هم بريئون منه من الإجرام والزندقة والتشبيه؛ فأنت أولى بهذه الأوصاف، وقد ذكرنا سابقا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- { من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه } رواه مسلم 2 / 49، عن أبي ذر رضي الله عنه. ؛ أي رجع عليه تكفيره أو رميه للأبرياء بالإجرام والزندقة. فأما الآية الكريمة فقد نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرف معناها، ولم يتوقف عن الغزو والقتال للكفار وبعث السرايا والجيوش لقتال المشركين وتوصيتهم بالدعوة ثم القتال، كما في حديث بريدة من قوله: { فإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك لها فاقبل منهم وكف عنهم } فذكر الإسلام ثم الجزية ثم قال: { فإن هم أبوا فاستعن بالله قاتلهم } رواه مسلم 12 / 37، عن بريدة رضي الله عنه. . وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً } وقال تعالى: { سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } فالقتال إلى أن يحصل الإسلام هو إكراه على الدين، فعلى هذا فالآية منسوخة بآيات القتال العام للمشركين، أو خاصة بأهل الكتاب الذين يبقون على دينهم مع بذل الجزية ولا يكرهون على الدين، أو خاصة بمن نزلت فيه من أولاد الأنصار الذين تهودوا أو تنصروا، فمنع الله أولياءهم من إكراههم على الدخول في الإسلام. وعلى كل حال فمتى أصر الكافرون أو المشركون على كفرهم وعاندوا، فإنه فرض على المسلمين وولاة أمورهم قتالهم حتى يسلموا ويوحدوا لله تعالى، ومتى ارتدوا وخرجوا عن الإسلام أو فعلوا ما يناقضه وجب إقامة الحد عليهما ولو بالقتل؛ لحديث: { من بدل دينه فاقتلوه } رواه البخاري 3017 وغيره، عن ابن عباس رضى الله عنه. وقد شرع الله الجهاد في سبيله وعمل به المسلمون في كل زمان ومكان، فقاتلوا أصناف الكفار، حتى توسعت رقعة الإسلام ودخل الناس في دين الله عن طوع واختيار أو عن إلجاء وإكراه، وعلى ذلك حمل قوله -صلى الله عليه وسلم- { عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل } رواه البخاري برقم 3010 وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه. . فأما حديث: { إذا التقى المسلمان بسيفيهما... } الحديث، وحديث: { سباب المسلم فسوق وقتاله كفر } وآية: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا } ؛ فقد قيدت بالمسلم والمؤمن الذي أسلم لله وحده، وآمن به ربا وإلها، وعمل بحقيقة الإلهية، فوحد الله وأخلص له الدين، واستسلم لله بالتوحيد وانقاد له بالطاعة، وتبرأ من الشرك ومن المشركين أينما كانوا، ونابذهم وأظهر لهم البغض والعداوة؛ فهذا هو الذي سبابه فسوق وقتاله كفر، ومن قتله متعمدا فجزاؤه جهنم، وهؤلاء لم يقاتلهم الشيخ محمد -رحمه الله- بل صادقهم ووافقهم، ونصح لهم وأحبهم وصافاهم؛ لأنهم أخوته في الدين، وإنما قاتل من أشرك بالله الشرك المحبط للأعمال بدعاء الأموات والاستنجاد بهم، والهتاف بأسمائهم والحلف بهم، وتعظيمهم بما لا يستحقه إلا الله، فهم قد أبطلوا توحيدهم ونقضوا إيمانهم وأخلوا بوصف الإسلام، فقاتلهم ليرجعوا إلى دينهم وينيبوا إلى ربهم، فله عليهم المنة والفضل، حيث بين لهم الحق وردهم إليه فأجره على الله. |