[س 7]: هل معنى قوله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } أن عيسى -عليه السلام- جاء مكملا لدعوة موسى -عليه السلام-؟ وما تقولون في من يقول: إن الإنجيل غير محرف بنص قوله -تعالى- { وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } وما معنى قوله { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ } ؟ الجواب: لا شك أن دعوة الرسل كلهم متفقة في أصل الدين وهو التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى، وهو معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- { نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد } أخرجه البخاري برقم (3442) كتاب أحاديث الأنبياء، باب (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم برقم (2365) كتاب الفضائل، باب (فضائل عيسى -عليه السلام-) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في المسند (2 \ 319، 406، 437، 463، 482) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم- : "إخوة من علات" أي إخوة من الأب ولكن أمهاتهم شتى. ومعنى الحديث: أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد ولكن الشرائع تختلف من نبي إلى آخر. وقيل: المراد أن أزمنتهم مختلفة. انظر كتاب الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم، وأشراط الساعة ص 513 لمؤلفه الشيخ مصطفى العدوي حفظه الله. . أي بمنزلة أولاد من أمهات وأبوهم واحد، أي متفقون في العقيدة مع وجود اختلاف في الشرائع، ومع ذلك فإن كل نبي يصدق بمن قبله من الأنبياء والرسل، فقوله: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ } يدل على أن عيسى يصدق ما في التوراة من العلم، ويعمل به ويحث على تطبيق ذلك ويحكم بما فيه. ولا شك أنه أعطي الإنجيل وفيه هدى ونور، ويشتمل على أحكام لم ترد في التوراة؛ ولهذا قال الله تعالى عنه: { وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } فذكر أنه قد أباح لهم بعض ما كان محرما في شريعة موسى من باب التخفيف. ولا شك أن الإنجيل الذي نزل على عيسى فيه هدى ونور، لكن بعد رفع عيسى اختلفوا فيه؛ ولهذا تعددت الأناجيل (كإنجيل متى، وإنجيل يوحنا إلخ قال ابن القيم -رحمه الله- في (هداية الحيارى) ص 211: (الأناجيل أربعة: مرقس ولوقا لم يريا المسيح أصلا، ومتى ويوحنا رأياه واجتمعا به). انظر كتاب (تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب) لأبي محمد عبد الله الترجمان الميورفي - الفصل الثالث- الباب الأول ص 94، حيث بين حال الأربعة الذين كتبوا الأناجيل. ) وأن بينها تفاوت كما هو مشاهد، والله تعالى إنما ذكر كتابا واحدا، فتعددها بعد عيسى دليل على تغييرها وتحريفها، أما الأصل فهو الذي ذكره الله بقوله: { فِيهِ هُدًى وَنُورٌ } وأما هذه الأناجيل فقد غيرت وحرفت عن الكتاب المنزل الذي نزل مصدقا للتوراة قبله وموضحا لما فيها، والله أعلم. |