[وقوله: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن: 27]. { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص: 88]. الشرح * قوله: (وقوله: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ). هاتان الآيتان دلتا على إثبات الوجه لله تعالى كما يشاء وقد وردت في القرآن آيات كثيرة فيها إثبات الوجه، كقوله تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52]. وكذلك قوله: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف: 28]. أي: يقصدون وجه الله بالرضا، أي: رضا وجهه سبحانه، وقوله سبحانه: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ } [الإنسان: 9]. أي: ابتغاء رضاه سبحانه. ورد أيضا في السنة أحاديث كثيرة تثبت الوجه لله تعالى، منها قوله -صلى الله عليه وسلم- { وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن } أخرجه البخاري برقم (7444) في التوحيد، باب: "قول الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة )"، ومسلم برقم (180) في الإيمان، باب: "إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى" عن أبي موسى عبد الله بن قيس رضي الله عنه. وكقوله -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: { حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه } أخرجه مسلم برقم (179) في الإيمان، باب: "في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله لا ينام " ، وفي قوله: "حجابه النور... "، عن أبي موسى رضي الله عنه. وقوله: { أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم } أخرجه أبو داود برقم (466) في الصلاة، وصححه الألباني، وهو في صحيح الجامع رقم (4715). وغيرها من الأحاديث. فيجب إثبات صفة الوجه لله تعالى كما يشاء الله، وكما يليق بجلاله وكماله، وهي صفة ذاتية أثبتها الله لنفسه ولم يخبرنا بكيفيتها، وإذا أثبتنا الصفة توقفنا عن الكيفية؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. ومن جملة صفاته: صفة الوجه، فليس وجهه كوجه المخلوقين، بل هو صفة تليق به سبحانه، وقد أنكر المعطلة الوجه لله تعالى، وقالوا: إن المراد بالآيتين المتقدمتين هو بقاء ذاته؛ لأنه يستحيل أن يبقى وجهه وحده بدون ذاته، ونرد عليهم بأنه سبحانه قد أضاف الوجه إليه في كلتا الآيتين { وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرحمن: 27]. { وجهه } فدل ذلك على اتصافه بالوجه. ولكن نقول: إن المقصود ببقاء وجهه هو بقاء ذاته سبحانه، فلا يدعونا ذلك إلى إنكار صفة الوجه وتعطيلها أو تأويلها وتحريفها بأنه الجهة أو الثواب أو نحو ذلك، وكذلك لا يلزم من إثبات الوجه لله تعالى وصفه سبحانه بأن له جسما مكونا من أعضاء وجوارح ونحو ذلك، بل نثبت ذلك لله كما يشاء من غير تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه. |