[وقوله: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } [الرحمن: 78]. وقوله: { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65]. { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص: 4]. وقوله: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 22]. { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة: 165]. الشرح قوله: (وقوله: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ). هذه الآيات في النفي، أي: إن الله تعالى يصف نفسه بالنفي ولكن على وجه الإجمال قوله: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } وقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } وقوله: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } وقوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا } هذه كلها من الصفات السلبية، يصف الله نفسه بصفات فيها سلب، يعني: فيها نفي، فأولا نفى السمي، والسمي هو المسامي، يعني: هل تعلم أحدا يستحق كاسمه، أو هل تعلم أحدا يتسمى باسمه الذي هو الله؟ وقال بعضهم: إنه تعالى قد حفظ هذا الاسم عن أن يطلق على مخلوق من خلق الله، فلا يحفظ ولا يذكر من تسمى به، أو من سمى به مخلوقا خلقه الله، بل لما سمى الله به نفسه منع غيره أن يتسموا أو يسموا به، قال تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } وهذا معنى لا سمي له، وقيل: معنى سمي يعني: شبيها، أي: هل تعلم له من يساميه، أي: يشابهه، والمشابهة هنا تكون في الذات، أي: هل تعلمون من يكون مثله في ذاته. وقد تكون بالقدرة والصفات، أي: أنك لا تعلم له سميا يساميه في تمام القدرة، وفي سعة الرزق والعطاء، وكذلك في سعة القوة والقدرة، وفي الاستطاعة على العقاب، ونحو ذلك: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } الجواب: لا. والآية خطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمراد أفراد أمته يعني: هل تعلم يا محمد أو هل تعلم أيها الإنسان له سميا؟، إن قيل: سميا، يعني: مشابها، فليس لله شبيه، وإن قيل: سميا: يعني: مساميا يساميه ويستحق اسما كاسمه، فلا نعلمه. وإن قيل: سميا يعني: من تسمى بالله، سواء أكان محقا أو مبطلا، أو من نفسه أو من غيره، فلا نعلمه، وهذه من النفي العام؛ لأنه يدخل فيها نفي جميع النقائص، يعني: هل تعلم له سميا، أي: مساميا له في قدرته، أو مساميا في استطاعته، أو سميا في ملكه وتصرفه ونحو ذلك، الجواب: لا أعلم له سميا، فليس لله من يشابهه. فالآية فيها قولان: القول الأول: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } يعني: هل تعلم من يتسمى باسم " الله ". والثاني: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } يعني: شبيها، أو مثيلا يشابهه ويساميه ويستحق كاسمه أو يستحق كما يستحق من العبادة. * قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } الكفؤ بمعنى المكافئ، والمكافئ للشيء هو المماثل له، تقول: فلان كفؤ لفلان، يعني: شبيه، وقيل: مكافئ له، تكافأ فلان وفلان يعني: تقاربا أو تماثلا إما في الخلقة، وإما في القوة، وإما في القدرة، أو في المنزلة، فهما متكافئان، أما الله تعالى فليس له كفؤ. * قوله: { فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } وقوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا } الأنداد: جمع ند، والند هو الشبيه والمثيل والشريك، والمشركون يجعلون مع الله الأنداد فيحبونها كمحبة الله، كما قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } [البقرة: 165]. ومعنى كحب الله، أي: مثل حبه، أي: يجعلون نصف محبتهم لله ونصفها لأندادهم. وقيل: يحبونهم كحب الله، أي: كالحب الواجب لله، والواجب على الإنسان أن يحب الله ويقدم محبته على محبة النفس والأهل والمال، ولكن هؤلاء يحبون أندادهم وشركاءهم مثل الحب الذي يحبون به الله على حد سواء، أو يحبونهـم كالحب الذي يحب به الله. وكان عليهم أن يصرفوا الحب كله لله -تبارك وتعالى- وأن تستغرق قلوبهم في محبته ولا يمنع هذا من محبة دينه وشرعه ورسله وأوليائه؛ لأن هذا من دلائل وعلامات حب الله -عز وجل- فالمراد هنا هو محبة السر لا محبة العاطفة والرحمة، فكل إنسان يحب قريبه وولده وأهله ونحو ذلك. أما محبة السر فهي محبة خاصة وهي عبادة لا تصلح إلا لله تعالى. وقوله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } قيل: أشد حبا لله من هؤلاء المشركين لله؛ لأن المشركين يحبون الله ويحبون آلهتهم وأندادهم على حد سواء. فإذا كانوا يحبون أندادهم مثل محبة الله، فأهل الإيمان أشد حبا لله؛ لأن أصحاب الأوثان قد ضعفت محبتهم، حيث إنهم قد صرفوا بعضها إلى تلك الأنداد وتلك الآلهة، والمحبة الخالصة أقوى من المشوبة. والشاهد أن الأنداد التي أنكرها الله بقوله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا } هي الأشباه والأمثال والشركاء والنظراء، فالآية رد على المشبهة الذين يجعلون لله مشبها ونظيرا وندا سواء تنديدا عاما أو تنديدا خاصا. والتنديد العام: هو أنه يجعل لله مثلا في صفاته وأفعاله، وهذا أكبر. والتنديد الخاص: أن يجعل لله ندا في صفة من صفاته، مثل أن يجعل لله ندا في المحبة كما في هذه الآية: { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ } أو يجعل لله ندا في الخوف؛ يخافونهم كمخافة الله، أو يجعل له ندا في استحقاق العظمة؛ يقول: هذا عظيم وعظمته كعظمة الله، فيكون هذا تنديدا في العظمة، وهكذا في باقي الصفات الفعلية. |