[ وقوله صلى الله عليه وسلم: { يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر؛ كلاهما يدخل الجنة } متفق عليه] أخرجه البخاري برقم (2826) في الجهاد والسير، باب: "الكافر يقتل المسلم ". ومسلم برقم (1890) في الإمارة، باب: "بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة" عن أبي هريرة رضي الله عنه. . (الشرح) قوله: (وقوله صلى الله عليه وسلم: { يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر... } ): هذا الحديث فيه إثبات صفة الضحك، يقول صلى الله عليه وسلم: { يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة } ولا شك أن الضحك غالبًا يكون له سبب يثير العجب ونحوه، ففي هذا الحديث إثبات الضحك لله سبحانه كما يليق بجلاله. وفي الحديث أيضًا أمر يثير العجب، اثنان أحدهما قتل الآخر ومع ذلك كلاهما دخل الجنة، أولهما كان مسلمًا، والآخر كان كافرا، فتقابلا في الجهاد، فقتل الكافر المسلم؟ استشهد المسلم فدخل الجنة؟ لأنه من الشهداء، ثم تاب الله على ذلك الكافر الذي قتل ذلك المسلم، ولما تاب الله عليه دخل الإسلام وقاتل في سبيل الله حتى استشهد فدخل الجنة، واجتمع مع الأول الذي قد قتله، فقال: أنا الذي قتلتك، أسلمت فقتلت في سبيل الله، فكلاهما يدخل الجنة. فهذا مشهد عجيب، كيف كان أحدهما قاتلا والآخر مقتولا، ومع ذلك دخلا جميعا الجنة؟ هذا لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهذا القاتل لما تاب من كفره واستباحته قتال المسلمين تاب الله عليه وقبل منه، ومَنَّ عليه فقاتل حتى قتل شهيدا في سبيل الله، وكان ذلك سببا في دخوله الجنة مع المقتول الأول. ففي هذا الحديث إثبات الضحك. والضحك منه ما يسمى بالقهقهة، ومنه ما يسمى بالتبسم، وسببه شيء يعجب منه السامع، إذا سمع شيئا أعجبه أدى إلى أن يضحك، وكثرته في الإنسان قد تميت القلب، وقد تورث قسوته. ولهذا ورد في بعض الأحاديث: { إياكم وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب } رواه أحمد (2 / 310) برقم (8076)، والترمذي في أول الزهد، وابن ماجه (4217) وغيرهم بسند حسن عن أبي هريرة [ قاله الشيخ ابن جبرين ] . وقد عاب الله من يكثرون الضحك، كما في قوله تعالى: { وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ } [ النجم: 60 ] وذكر الضحك عن الكفرة في ردهم للآيات كما في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ } [المطففين : 29] وكما في قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ } [المؤمنون: 109 - 110]. فهذا ونحوه دليل على أن الضحك والاستغراق فيه من صفات الكفار، وأن المؤمن عليه ألا يكثر من الضحك، بل يكون قلبه خائفًا وَجِلاً، ويمنعه خوفه من الاستغراق في الضحك وذكر أن كثيرا من السلف ما كانوا يضحكون مخافة أن يكون ضحكهم حسابًا عليهم، وذكر أن ملكًا نزل فرآه النبي صلى الله عليه وسلم حزينا، فسأل جبريل، فقال له: "ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا؟ " فقال جبريل: "ما ضحك منذ خلق الله النار" أخرجه أحمد في المسند (3 / 224) وفي الزهد برقم (359). عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وضعفه الألباني، وهو في ضعيف الجامع الصغير رقم (5091). . فالحاصل أن الضحك خلقة في الإنسان وجِبِلَّة سببها رؤية شيء يعجبه. ومن الناس من يضحك بلا سبب، أو يتكلف الضحك، يريد بذلك سرور نفسه، فإن كنت عند ذلك تريد أن تسر صاحبك وتربط على قلبه وتقربه إليك، فقد يكون هذا مباحا أو مفيدا، فأما أن تضحك دائما وتكثر من الضحك، أو تأتي بالأسباب التي تضحك فإن ذلك مما يميت القلب. هذا من حيث العموم، أما من حيث الخصوص، فالحديث دال على إثبات الضحك لله عز وجل، والله تعالى قد ورد وصفه بذلك في هذا الحديث، وفي الحديث الذي بعده حيث يقول: "فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " أورده بهذا اللفظ ابن كثير في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ } [البقرة: 214،] وأورده بنحوه الإمام عبد الله بن أحمد في السنة برقم (1120) وضمن حديث طويل عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه. وقد سبق تخريج الجملة الأولى من الحديث وهي قوله: " عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِهِ ". ولكن ذكره جميعهم بلفظ: "ضحك ربنا". وكذلك أيضا في حديث أبي رزين العقيلي الحديث الطويل الذي رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة وغيره، فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن ربنا يضحك فقال أبو رزين { ولا نعدم من رب يضحك خيرًا } أخرجه ابن ماجه برقم (181) في المقدمة، وأحمد وابنه في المسند (4 / 11، 12) وفي السنة رقم (452)، وابن أبي عاصم في السنة برقم (554)، وحسنه الألباني والآجري في الشريعة (279، 280 ) والدارقطني في الصفات (30). والديلمي (3890) والطيالسي (1092). عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه. سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (2810)، وله طريق أخرى أخرجها عبد الله بن أحمد في السنة رقم (1120) وفي زوائد المسند (4 / 13)، والطبراني في الكبير (19 / 211، 214). فأقره النبي صلى الله عليه وسلم . فنقول: إن فيه إثبات الضحك على ما يليق بالله كسائر صفاته نؤمن بها ولا نَُكَيفها، ونُنَزهه تعالى عن سمات المخلوقين، وعن مشابهتهم بشيء من خصائصهم أو نقول: ضحكا يليق بجلاله، كما أن أسماءه وصفاته تليق بجلاله، هذه عقيدة المسلمين في مثل هذه الصفة وغيرها من الصفات. |