[وقوله: { أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت } أخرجه الطبراني كما في مجمع البحرين برقم (47)، وأبو نعيم في الحلية (6 / 124) وقال الهيثمي في المجمع (1 / 65): رواه الطبراني في الأوسط والكبير وقال: تفرد به عثمان بن كثير ولم أر من ذكره بثقة ولا جرح. وهو في ضعيف الجامع رقم (1002). . حديث حسن. وقوله: { إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه،، فإن الله قِبَل وجهه، ولكن عن يساره، أو تحت قدمه } أخرجه البخاري برقم (405) في الصلاة، باب: "حك البزاق باليد من المسجد". ومسلم برقم (551) في المساجد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه البخاري برقم (406). ومسلم برقم (547). عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه. وأخرجه البخاري برقم (408). ومسلم برقم (548) و (550) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري برقم (409) ومسلم برقم (548)- 52. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم: { اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر } أخرجه مسلم برقم (2713) في الذكر والدعاء، باب: "ما يقول عند النوم وأخذ المضجع " عن أبي هريرة رضي الله عنه. [رواه مسلم] وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر: { أيها الناس ! اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته } أخرجه البخاري برقم (6610) في القدر، باب: " لا حول ولا قوة إلا بالله ". ومسلم برقم (2704) في الذكر والدعاء، باب: " استحباب خفض الصوت بالذكر". عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. . متفق عليه] (الشرح) * الحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: { أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت } المعنى: أن تستحضر أن الله يراك، وأنه مراقب لك، ومطلع على أعمالك، ويسمع كلامك، ويرى مكانك؛ لأن الله تعالى مع عباده بعلمه، كما في قوله تعالى: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [الشعراء: 218، 219] وكذلك قوله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [يونس: 61]. فإذا استحضر العبد أن الله معه حيثما كان، فإنه يراقب الله بحيث إنه لا يتجرأ على معصيته، ولا يتجرأ على ترك طاعته، وتحاسبه نفسه: كيف أعصيه وكيف أخالفه وهو يراني ويرى مكاني، ولا يخفى عليه شيء من شأني؟ وكيف أخالف أمره، وكيف أرتكب نهيه، وأنا في قبضته وتحت تصرفه وتقديره؟ كيف أخالف أمره وكيف أرتكب نهيه، وهو المطلع على الضمائر، ويعلم السرائر، ولا يخفى عليه من عباده خافية؟ وهذا معنى كونه أفضل الإيمان، يعني أفضل خصال الإيمان؛ لأن العبد إذا آمن بمعية الله وآمن بقرب ربه، وآمن باطلاعه على عباده استفاد من هذا الإيمان استفادة كبيرة، وهي انزجاره عن المحرمات، وابتعاده عن المكروهات، ومحافظته على الطاعات. إذا آمن بذلك وانضاف إلى إيمانه بذلك أيضًا: إيمانه بقدرة الله عليه، وأنه تحت سيطرته، وأنه لا يقدر على التخلص من عذابه، وانضاف إلى ذلك أيضا إيمانه بأنه مملوك، إذا آمنت بأنك مملوك لله الذي هو ربك ومليكك، وأنك من جملة مخلوقاته الذين هو المتصرف فيهم، وانضاف إلى ذلك أيضا: إيمانك بأنه الذي يعاقب من عصاه، وينتقم ممن خالف أمره، وأنه شديد البطش { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البروج: 12] { إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود: 102]. فإذا آمن بذلك كله، فإنه يستفيد بالمحافظة على العبادات وأدائها، والبعد عن المحرمات، فلا جرم صار هذا هو أفضل خصال الإيمان. * الحديث الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: { إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصقن قبل وجهه، ولا عن يمينه... الحديث } يعني أن تؤمن بأن الله أمامك ومعك، لا يخفى عليه منك خافية، هذا معنى نهيه أن يبصق أمامه أو أن يبصق عن يمينه؛ لأن عليه أن يمثل ربه أمامه، وأن يستحضر أن ربه معه، فلا يبصق قبل وجهه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى؛ وذلك تنزيه لما أمامه وتنزيه لما عن يمينه الذي هو ملك الحسنات. وعلى كل، فإن العبد متى استحضر أن الله معه استفاد فائدة عظيمة. * الحديث الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: { اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم... الحديث } على العبد أن يكثر الذكر بهذا الدعاء الذي تضمنه هذا الحديث، فإنه اشتمل على تعظيم وتقديس لله تعالى. إذا قلت: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء- كما في رواية- فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر . تكثر أولا الدعاء بما في هذا الحديث، وتتأمل ثانيا مدلولاته وتتعرف معانيه. فإن الربوبية معناها كمال الملك، فإذا كان الله هو رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء ومعنى الرب: المالك المتصرف الذي بيده وتحت تصرفه أزمة كل شيء- فالرب يذل له الخلق، فنكون أذلاء لطاعته، لا نخرج عن قبضته ولا نعصيه، هذا يوجب كونه ربا ورب العرش العظيم ورب جميع المخلوقات، موجب إيماننا واعترفنا بربوبيته. كذلك أيضا إيماننا بأنه فالق الحب والنوى، الحب والنوى معروف، يعني هو الذي فلق الحبة كحبة البر ونحوه وجعل فيها هذا الفلق الذي في وسطها، فلو اجتمع الخلق كلهم ما خلقوا حبة بر تزرع وتنبت إذا سقيت، ويكون فيها هذا الفلق الذي في وسطها، وكذلك النوى الذي هو نوى التمر، فالحبة التي تكون في وسط التمرة، الخلق كلهم أيضا لا يقدرون على أن يخلقوا مثل هذه النواة التي فيها هذا الفلق التي إذا جعلت في التراب وسقيت، نبتت نخلة، كما هو معروف، فلا يقدرون أن يفلقوا ما فيها، ولا أن يخلقوها على هذه الهيئة، فالله هو فالق الحب والنوى. ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن وسائر كتبه التي أنزلها على أنبيائه وضمَّنَها شرائعه، هو الأول قبل كل شيء، وهو الآخر بعد كل شيء، وهو الظاهر العالي فوق كل شيء، وهو الباطن القريب دون كل شيء، الذي لا يحول ولا يخفى عليه شيء، إذا آمن العبد بذلك كله، فإن الله تعالى يستجيب دعوته؛ ولأجل ذلك ختم هذا الدعاء بقوله: { اقض عنا الدين وأغننا من الفقر } فعلى كل هذا من جملة الأحاديث التي تضمنت أشياء من صفات الله يؤمن العبد بها على ماهيتها ولا يكيفها. * الحديث الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم { أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا... الحديث } وهذا من الأحاديث التي فيها شيء من الصفات، وهي صفة القرب لله تعالى، وصفة القرب قد دلى عليها القرآن كقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } [الأعراف: 7] وقوله تعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16] وقوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186] ومن أسمائه تعالى: القريب في قوله تعالى: { إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } [سبأ: 50]. فالقريب: من أسمائه، وكونه قريبا: من صفاته، فهو قريب من عباده، وإذا استحضر العبد أن الله تعالى قريب فإنه يراقبه، فإنه يخافه ويطيعه، إذا علم أن الله يراه وأن الله يقدر عليه، وأنه لا يستطيع الخروج عن ملكه، ولا يستطيع التخلص من عذابه، حملته هذه المعرفة على أن يطيعه في كل ما أمره به، وأن يبتعد عن كل ما حرَّمه عليه، هذه نتيجة هذه المعرفة. فمن أجل ذلك وردت الأدلة في الإخبار بأن الله تعالى قريب، والإخبار بأنه ليس بغائب، وبأنه مُطلع على العباد، يراهم ويسمع سرهم ونجواهم، فإذا استحضر العبد ذلك كله أطاعه حق الطاعة. فإذا استحضر أن الله قريب من عباده وهو أقرب إلى أحدهم من حبل الوريد، واستحضر أن الله يراه، كما في قوله: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [الشعراء: 218، 219] ولو في الظلم، ولو في الأماكن البعيدة الخفية، واستحضر أن الله يسمع السر وأخفى من السر، واستحضر أن الله ليس بغائب كما في قوله: { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } [الأعراف: 7] فإن هذا الاستحضار يفيده في عدم الإقدام على المعصية، يفيده في المراقبة، يفيده في الطواعية، وهذا هو السر في كونه تعالي أخبر العباد بهذا. يجب أن نؤمن بأن هذا القرب حقيقي ولكن لا نكيفه، فنقول: الله تعالى قريب كما يشاء، بحيث إنه ليس ببعيد، وبحيث إنه لا يستعصي عليه شيء، وبأنه يرى ويطلع على العباد، وبأنه ينتقم ويعاقب العصاة، وبأنه يثيب المطيعين ويجازيهم. وذلك كله من معرفتنا بقربه وبعدم غيبته وبُعده عن عباده، ولا نمثل هذا القرب بأنه كقرب أحدنا من صاحبه أو نحو ذلك، بل نقول: هو قرب كما يشاء الله، لا ندري ما حقيقته، إلا أنه أخبر بما يدل على هذا القرب حتى من حبل الوريد، أي من العروق التي في العنق ونحوها. في هذا الحديث أن الصحابة كانوا مرة سائرين وكانوا إذا علوا مكانًا مرتفعًا رفعوا أصواتهم بالتكبير، وإذا هبطوا واديا أو منخفضًا رفعوا أصواتهم بالتسبيح، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يرفعوا أصواتهم؛ وأن يكبروا بدون رفع الصوت وأن يسبحوا بدون رفع الصوت، وقال لهم: { اربعوا على أنفسكم } ارفقوا بأنفسكم، لا تكلفوا أنفسكم رفع الصوت ولا تشقوا على أنفسكم، { فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا } لا تدعون من هو موصوف بالصمم الذي هو عدم السمع، ولا بالغيبة التي هي البعد وعدم الحضور، بل الذي تدعونه سميع قريب، سميع ليس بأصم، قريب ليس بغائب. { إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته } لا شيء في نظر أحدهم أقرب من عنق راحلته، يعني رقبتها، فإذا استحضر العبد أن ربه قريب منه أقرب من هذا، بل أقرب من عنقه هو كما في قوله: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } [ق: 16] فإنه لا حاجة إلى أن يرفع الصوت ويشق على نفسه؛ لعلمه بأن ربه يسمعه إن جهر وإن أسر، هذا هو المراد بهذا الحديث. |