[وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر، وعرضه شهر، من يشرب منه شربة ؛ لا يظمأ بعدها أبدا] ورد ما ذكره المؤلف رحمه الله في وصف الحوض في عدة أحاديث. انظر: البخاري رقم (6579، 6580، 6583) في الرقاق، باب: "في الحوض ". ومسلم برقم (2292،2300) في الفضائل، باب: " إثبات الحوض ". (الشرح)* قوله: (وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم...): الحوض: هو حوض يَرِدُهُ المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وورد أيضا: { أن لكل نبي حوضًا } أخرجه الترمذي برقم (2443) في صفة القيامة. وابن أبي عاصم في السنة رقم (734) وصححه الألباني في تخريجه لأحاديث "السنة" وهو في السلسلة الصحيحة رقم (1589). ولكن حوض نبينا أكثر واردًا؛ لأن أمته الذين اتبعوه أكثر من غيرهم، فَيَرِدُهُ من أمته المتمسكون والمتبعون له حق الاتباع، ويطرد ويُذَاد عنه الذين لم يتبعوه غاية الاتباع، ولم يتمسكوا بسنته من مبتدعة ومشركة ونحوهم، ممن لم يحقق اتباع سنته، وممن أشرك بالله ونحوهم. ويعرفهم صلى الله عليه وسلم بعلامة الوضوء؛ لكونهم يأتون غُرًّا محجلين، بيض الوجوه وبيض الأيدي والأرجل من آثار الوضوء كما في حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء" أخرجه البخاري برقم (136) في الوضوء، باب: "فضل الوضوء". ومسلم برقم (246) [35] في الطهارة، باب: "استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء". . فهذا الحوض ورد فيه أحاديث كثيرة في صفته. وقيل: إنه الكوثر المذكور في القرآن: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } [الكوثر: ا] وإن كان الصحيح أن الكوثر نهر في الجنة أعطاه الله إياه. قيل: إن هذا الحوض يصب فيه ميزابان من الكوثر لحديث أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: "والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها " ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه. يشخب فيه ميزابان في الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عفان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ". أخرجه مسلم برقم (2300) في الفضائل، باب: "إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته ". وفي حديث آخر عن ثوبان "يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب والآخر من ورق ". أخرجه مسلم برقم (2301). وقوله: يشخب: أي: يسيل. وقوله: يغت: أي: يصب. . ووصف ماؤه بأنه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأن كيزانه وآنيته عدد نجوم السماء، وأن من شرب منه شربة لم يظمأ حتى يدخل الجنة، وأنه إنما يرده المتبعون للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه يُذَاد عنه الذين ارتدوا أو خالفوا ويقال له: إنهم قد ارتدوا، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم أخرجه البخاري برقم (6584، 6585، 6586، 6587، 6579، 6580، 6593) في الرقاق. ومسلم برقم (2293، 2294، 2295) في الفضائل. ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث: { إنه تأتي فرقة من أمتي، فإذا قربوا من الحوض أُحِيلَ بيني وبينهم، ثم تأتي فرقة ثانية فإذا قربوا صُرفوا، فلا أراه يخلص إليَّ إلا كهمل النعم } أخرجه البخاري برقم (6587) في الرقاق، باب: في الحوض ". عن أبي هريرة رضي الله عنه. يعني من كثرة المنحرفين وكثرة المبتدعين. فالذي يؤمن باليوم الآخر يؤمن بهذا؛ وذلك لأن الناس يشتد ظمؤهم في يوم القيامة لطول الموقف، ولكن جعل الله للمؤمنين هذا الحوض؛ ليخفف عنهم ذلك الظمأ فيؤمن المسلمون والمؤمنون باليوم الآخر وبما فيه من التفاصيل، ويعتقدون أنها ثابتة حقيقية، وأنها على ما تواترت بها الأحاديث وثبتت به السنة، وهي من الأمور الغيبية التي يؤمنون بها، فتدخل في قول الله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة: 3] يعني بما أخبروا عنه مما غاب عن أعينهم. |