[س 15]: نرجو من فضيلتكم- أجزل الله لكم الأجر- بيان حال عيسى -عليه السلام- عندما ينزل آخر الزمان ؟ الجواب: في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الحرب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا له من الدنيا وما فيها } أخرجه البخاري برقم (3448) كتاب أحاديث الأنبياء باب (نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم برقم (242) كتاب الإيمان، باب (نزول عيسى ابن مريم حاكما)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في المسند (2\ 240) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أبو داود برقم (4324) كتاب الملاحم، باب (خروج الدجال)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي برقم (2240) كتاب الفتن، باب (ما جاء في نزول عيسى ابن مريم)، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه ابن ماجه برقم (4077) كتاب الفتن، باب (فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج)، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. . ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } أي: موت عيسى وروى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: { والذي نفسي بيده، ليهلن عيسى ابن مريم بفجّ الروحاء حاجًّا أو معتمرا أو لاثنينهما جميعا } أخرجه مسلم برقم (1252) كتاب الحج، باب (إهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أحمد في المسند (2\ 240) عن أبي هريرة رضي الله عنه. . وروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم } أخرجه البخاري برقم (3449) كتاب أحاديث الأنبياء، باب (نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام) عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم برقم (244) كتاب الإيمان، باب (نزول عيسى ابن مريم حاكما) عن أبي هريرة رضي الله عنه. . وروى أحمد وغيره عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم ؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، يمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون } أخرجه أحمد في المسند (2 \ 406). . وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذكر من لقيه ليلة الإسراء من الأنبياء، وأنهم تذاكروا الساعة { فقال عيسى: فيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الشجر والحجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله } أخرجه أحمد في المسند (1\ 375). ... إلخ. وروى أحمد أيضا عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا حديثا فيه: { وينزل عيسى عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: يا روح الله تقدم صلِّ، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي حتى إذا قضى صلاته أخذ عيسى حربته، فيذهب نحو الدجال، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين تندوته فيقتله ويهزم أصحابه، فليس شيء يواري منهم أحدا حتى إن الشجرة تقول: يا مؤمن هذا كافر، ويقول الحجر: يا مؤمن هذا كافر } أخرجه أحمد في المسند (4 \ 216، 217). . وفي حديث طويل عند مسلم: { أن عيسى يقتله بباب لد الشرقي، ويهزم الله اليهود، وأن أيامه أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم } أخرجه مسلم رقم (2137) كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته عن النواس بن سمعان رضي الله عنه. وآخر أيامه كالشررة، والأحاديث فيه كثيرة ذكرها ابن كثير في النهاية من تاريخه، وفي تفسير قوله تعالى: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } في آخر سورة النساء، والله أعلم للفائدة نقلت كلاما للعلامة، ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ \ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله- من كتابه (اتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة) (3 \ 128) في الرد على أحد منكري نزول عيسى -عليه السلام- حيث قال رحمه الله: (وقد رأيت جوابا لشلتوت ينكر فيه حياة عيسى -عليه السلام- وزعم أنه قد مات موتة عادية، وأنكر أن يكون مرفوعا بجسمه إلى السماء، وأنه فيها حي إلى الآن، وأنكر نزوله إلى الأرض في آخر الزمان حكما عدلا، فخالف ما جاء به القرآن، وتواترت به الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجمع عليه سلف الأمة وأئمتها. وقد تقدم ذكر الأدلة من القرآن والسنة على نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وسيأتي ذكر الإجماع على ذلك إن شاء الله تعالى. ثم إن شلتوتا لم يكتف بمخالفة الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان، بل ضم إلى ذلك الطعن في الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فقال: (إنها روايات مضطربة، مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافا لا مجال معه للجمع بينها)! كذا قال! وكل من له أدنى علم ومعرفة بالحديث يعلم يقينا أن الأحاديث الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- متفقة متعاضدة لا اضطراب فيها ولا اختلاف بينها بحمد الله تعالى. ثم إنه أردف ذلك بخطأ آخر، فقال: (وقد نص على ذلك علماء الحديث). والجواب أن يقال: هذا غير صحيح؛ فإن علماء الحديث قد تلقوا الأحاديث الواردة في نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- بالقبول، ودونوها في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، وذكروا مضمونها في كتب العقائد السلفية. قال إمام أهل السنة أحمد بن محمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- في "عقيدة أهل السنة والجماعة" التي رواها عنه عبدوس بن مالك العطار: "والإيمان أن المسيح الدجال خارج، مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كله كائن، وأن عيسى ابن مريم ينزل، فيقتله بباب لد... " انتهى. وقال الإمام أبو محمد البربهاري -رحمه الله تعالى- في "شرح السنة": "والإيمان بنزول عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم-؛ ينزل، فيقتل الدجال، ويتزوج، ويصلي خلف القائم من آل محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويموت، ويدفنه المسلمون "انتهى. وقال الطحاوي -رحمه الله تعالى- في "العقيدة" المشهورة: "ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- من السماء.. " انتهى. وقال الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري -رحمه الله تعالى- في كتابه: "مقالات الإسلاميين": "جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يردون من ذلك شيئا (إلى أن قال:) ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى ابن مريم يقتله ". انتهى. وهذا حكاية إجماع من أهل الحديث والسنة على نزول عيسى عليه الصلاة والسلام. والعبرة بهم، ولا عبرة بمن خالفهم؛ كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الكافية الشافية". /6 /7 لا عِبْرَةً بِمُخالِفٍ لهمُ ولَوْ /7 /7 كَانُوا عديدَ الشَّاءِ والبِعْران /7 /6 وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله: (نؤمن بنزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- حكما عدلا يقتل الدجال 000) انتهى. وقال الإمام أبو أحمد بن الحسين الشافعي المعروف بابن الحداد في عقيدة له: "وأن الآيات التي تظهر عند قرب الساعة، من الدجال، ونزول عيسى وغير ذلك من الآيات التي وردت بها الأخبار الصحاح حق.. " انتهى. وقال الإمام الموفق أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى- في عقيدته المشهورة: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه صدق وحق.. (إلى أن قال:) ومن ذلك أشراط الساعة، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليه السلام- فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة.. وأشباه ذلك مما صح به النقل " انتهى. وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: "مسألة: عيسى ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- حي رفعه الله تعالى إليه بروحه وبدنه، وقوله تعالى: { مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ } ؛ أي: قابضك، وكذلك ثبت أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية؛ حكما عدلا مقسطا، ويراد بالتوفي: الاستيفاء، ويراد به الموت، ويراد به النوم، ويدل على كل واحد القرينة التي معه " انتهى. وقال القاضي عياض -رحمه الله تعالى- في "شرح مسلم": "نزول عيسى -عليه السلام- وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله، فوجب إثباته، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } وبقوله -صلى الله عليه وسلم- : " لا نبي بعدي " وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة لا تنسخ. وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى -عليه السلام- أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا، بل صحت هذه الأحاديث هنا، وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا؛ يحكم بشرعنا، ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس "، انتهى كلامه، وقد نقله النووي في "شرح مسلم" وأقره. وقال القاضي عياض أيضا في الكلام في أحاديث الدجال: "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى؛ من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وجنته وناره، ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره، ويقتله عيسى -صلى الله عليه وسلم- ، ويثبت الله الذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار؛ خلافا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة". انتهى المقصود من كلامه، وقد نقله النووي في "شرح مسلم " وأقره. وقال المناوي في "شرح الجامع الصغير": "أجمعوا على نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- نبيا لكنه بشريعة نبينا -صلى الله عليه وسلم-". وقال المناوي أيضا في موضع آخر من "شرح الجامع الصغير": "حكى في المطامح إجماع الأمة على نزوله، ولم يخالف أحد من أهل الشريعة في ذلك، وإنما أنكره الفلاسفة والملاحدة". انتهى. وقال السفاريني في "شرح عقيدته ": "نزول المسيح عيسى ابن مريم ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة... (ثم ذكر دليل ذلك من الكتاب والسنة، إلى أن قال: (وأما الإجماع؛ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية". انتهى. ولو ذهبت أنقل ما ذكره غير هؤلاء؛ لطال الكلام، وفيما ذكرته كفاية لبيان خطأ شلتوت فيما ذهب إليه، وما حاوله من قلب الحقيقة). . |