قوله: [ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث ] تعظيما له، ولا يكره الوضوء والغسل منه، لحديث أسامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ } رواه أحمد عن علي حسن: رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند (1\ 76). وعنه يكره الغسل، لقول العباس { لا أحلها لمغتسل } . وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة. الشرح: كره العلماء استعمال ماء زمزم في إزالة الخبث أو في الغسل تعظيما لها وتكريما، لقوله -صلى الله عليه وسلم- { إنها طعام طعم وشفاء سقم } أوله في صحيح مسلم، في الفضائل عن أبي ذر، برقم (2473)، وآخره عند البيهقي (5\ 148)، والطيالسي كما في المنحة (2\ 158) ، وصححه في مجمع الزوائد (3\ 286). أما الوضوء منها فإنه جائز للحديث السابق عن علي -رضي الله عنه- وهو حديث صحيح، وكذا للأحاديث الصحيحة الصريحة المطلقة في المياه بلا فرق، ولم يزل المسلمون على الوضوء منه بلا إنكار، وأما من كره أن يغتسل بماء زمزم فقد استدل بقول العباس بن عبد المطلب عم الرسول { لا أحلها لمغتسل، وهي لشارب حل وبل } وهذا القول منقول عن أبيه عبد المطلب كما في سيرة ابن هشام انظر "الروض الأنف" للسهيلي (1\ 45). ومثل هذا القول ليس بحجة في الشرع؛ ولهذا قال النووي (لم يصح ما ذكروه عن العباس بل حكي عن أبيه عبد المطلب ولو ثبت عن العباس لم يجز ترك النصوص به) "المجموع" (1\ 91). وأما شيخ الإسلام -رحمه الله- فقد ذهب إلى كراهة غسل الجنابة به، قال ابن القيم -رحمه الله- (وطريقة شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية كراهة الغسل به دون الوضوء، وفرق بأن غسل الجنابة لمجري مجرى إزالة النجاسة من وجه؛ ولهذا عم البدن كله لما صار كله جنبا؛ ولأن حدثها أغلظ؛ ولأن العباس إنما حجرها على المغتسل خاصة) "بدائع الفوائد" (4\ 48). . قلت: ولعله من باب الاحترام لهذا الماء الذي وصفه ابن القيم في (زاد المعاد) بأنه سيد المياه، وأشرفها، وأجلها قدرا وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس.. إلى آخر كلامه -رحمه الله- كما في "زاد المعاد" (4\ 392). فاستعماله في الوضوء والغسل مع وجود غيره مكروه أو لا يجوز، لكن إذا عدم غيره، ودخل وقت الصلاة وهو جنب فله الاغتسال به، لدخوله في قوله تعالى: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } فلا يعدل إلى التيمم مع وجوده وتوفره، والله أعلم. |