قوله: [وماء لا يكره استعماله كماء البحر] لما تقدم. الشرح: ذكر المؤلف هنا النوع الرابع من أنواع الماء الطهور، وهو ما لا يكره استعماله، وأول ذلك: ماء البحر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عنه { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } سبق تخريجه. وهو حديث تلقته الأمة يالقبول، وتداوله الفقهاء في مصنفاتهم، ورواه الأئمة في كتبهم، وقد ذهب الصحابيان الجليلان عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- إلى كراهية الوضوء بماء البحر، وقال: التيمم أعجب إلينا من التوضئ بماء البحر، وقال ابن عمرو هو نار، وقد روي عن ابن عمرو حديث مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { تحت البحر نار، وتحت النار بحر، حتى عد سبعة وسبعة } أخرجه أبو داود (3\ 13) بلفظ "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر، أو غاز في سبيل الله، فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا" قال الخطابي: قد ضعفوا إسناد هذا الحديث، وانظر "السلسلة الضعيفة للألباني (1\ 490). ولكن هذا حديث ضعيف باتفاق المحدثين كما قال النووي "المجموع " (1\ 91). فالصواب إذا جواز الوضوء بماء البحر للأدلة السابقة ولضعف ما يعارضها، وقد قال عمر -رضي الله عنه- (من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله) وروى الشافعي في الأم (1\ 2) نحو ذلك عن أبي هريرة مرفوعا. (ج). وماء البحر ماء باق على أصل خلقته، فهو كالماء العذب، وأما تعليلهم بأنه نار فنقول: إن أريد أنه نار الآن، فهذا خلاف الحس، لأننا لا نبصر إلا ماء، وإن أريد بأنه يصير نارا، فهذا لا يمنع الوضوء به حال كونه ماء، وقد علمنا أن الحديث الذي فيه أن ماء البحر نار حديث ضعيف بالاتفاق، والذي جاء في القرآن أن البحار تكون نارا يوم القيامة، كما في قوله تعالى: { وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ } وقوله: { وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } وهذا لا يمنع الطهارة منها حال كونها ماء في الدنيا- كما علم-. |