قوله: [والحمام] لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه، ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة، أو قصد التنعم به، ذكره في المبدع، وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر { أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به } صحيح: أخرجه الدارقطني (ص 14). . وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر { أنه كان يغتسل بالحميم } صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (1\3\1). . الشرح: الحمام أصله من الحميم، وهو الماء الحار، لأن الناس يدخلونه في البلاد الباردة ليستحموا بالماء الحار لتنظيف أجسادهم، فهو من الأماكن المشتهرة في البلاد الباردة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله- (ولهذا لم يكن بأرض الحجاز حمام على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه) " الفتاوى " (21\ 301). وليس المقصود بالحمام الخلاء، أو مكان قضاء الحاجة كما قد يتوهم البعض؛ لأن الناس اليوم يسمون مكان قضاء الحاجة بالحمام، وهذا خطأ، بل مكان قضاء الحاجة يسمى الحش أو الكنيف، أما الحمام فهو المكان الذي يستحم فيه وتغسل فيه الأبدان بالماء الحار في البلاد الباردة، وقد ذهب المؤلف إلى جواز دخوله وأنه لا يكره لما ورد عن بعض الصحابة أنهم دخلوه ورخصوا فيه، قال شيخ الإسلام (وقد دخل الحمام غير واحد من الصحابة) "الفتاوى" (21\ 301). . وأما من كره دخول الحمام فقد علل الكراهية بخوف مشاهدة العورة حيث يتساهل الناس في ذلك داخل هذه الحمامات، فيبدي بعضهم شيئا من عورته عند خلع ملابسه أو عند استحمامه؛ فلهذا كره بعض العلماء دخوله، وعلل بعضهم ذلك بأن يقصد الداخل التنعم بذلك فيصبح همه المبالغة في تنظيف جسده وتنعيمه، وهذا مما يؤدي إلى الإسراف في ذلك وإيثاره على حياة الخشونة والرجولة، وقد جاء في الأثر "إن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " رواه الإمام أحمدها المسند (5\243، 244) عن معاذ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن قال "إياي والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين " قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10\ 250) ورجاله ثقات. مع أن في إسناده بقية بن الوليد، وهو مدلس، وقد عنعن. (ج). . فالحاصل أن دخوله الحمام للرجال جائز بشرطين: 1- أن يحفظوا عوراتهم من الآخرين فلا يبدو شيء منها. 2- أن لا يعتادوا ذلك فيصبح ديدنهم دخول هذه الحمامات للاسترخاء والتنظف، بل يعتادوا حياة الجد والخشونة- كما سبق-. وأما النساء فإنهن ينهين عن دخول هذه الحمامات لما في ذلك من المفاسد العظيمة حيث تخلع المرأة ثيابها في غير بيت زوجها، وتبدي شيئا من عورتها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- { ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى } رواه أبو داود واستدلت به عائشة منكرة على نساء من أهل الشام، فقالت: { لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات... الحديث } أخرجه أبو داود (225). . فالحاصل أن الطهارة لا تكره بالماء المسخن الذي لم يشتد حره؛ لأن الصحابة قد دخلوا الحمامات ورخصوا فيها- بالشروط السابقة-؛ ولأن عمر -رضي الله عنه- كان له قمقمة يسخن فيها الماء. وأما من كره دخول الحمام فعلل ذلك بخوف مشاهدة العورات أو قصد التنعم، وليس العلة عنده هي عدم جواز الطهارة بالماء المسخن. |