قوله: [ الثاني: طاهر يجوز استعماله في غزير رفع الحدث وزوال الخبث] وهو ما تغير كثير من لونه، أو طعمه، أو ريحه، بشيء طاهر غير اسمه حتى صار صبغا، أو خلا، أو طبخ فيه فصار مرقا، فيسلبه الطهورية. قال في الكافي: بغير خلاف لأنه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخل "الكافي " (1\ 5). [فإن زال تغيره بنفسه، عاد إلى طهورتته] الشرح: ابتدأ المصنف هنا الحديث على القسم الثاني من أقسام المياه وهو الطاهر وعزفه بقوله (ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر) أي تغيرت إحدى صفاته بالطاهرات فتغير اسمه لأجل ذلك، فهذا التغير بالطاهرات يسلب الماء طهوريته فيصبح ماء طاهرا لا طهورا، وتقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام هو قول أكثر الفقهاء- كما سبق- قال في الإفصاح (وأجمعوا على أنه إذا تغير الماء عن أصل الخلقة بطاهر يغلب على أجزائه مما يستغني عنه الماء غالبا لم يجز الوضوء به إلا أبا حنيفة فإنه جوز الوضوء بالماء المتغير بالزعفران ونحوه) "الإفصاح" (1\ 66). . وقد عرفنا سابقة أن الراجح في هذه المسألة أن الماء قسمان: طهور ونجس، فالطهور هو الماء الباقي على خلقته التي خلقه الله عليها، والنجس ما تغيرت إحدى صفاته بالنجاسة، وأما ما تغير بالطاهرات فإن حكمه لا يخرج عن أحد هذه الحالات: أولا: أن لا يجوز استعماله في الطهارة، وهو ثلاثة أقسام: 1- ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد، وماء القرنفل، وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت وهي رطبة، فهذا لا تجوز الطهارة به؛ لأنه قد خرج عن كونه ماء. 2- ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغا أو خلا أو حبرا أو مرقا ونحو ذلك. 3- ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلاء المغلي، فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل، قال ابن المنذر (أجمع كل من نحفظ قوله من أهل العلم أن الوضوء غير جائز بماء الورد، وماء الشجر، وماء العصفر، ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء؛ ولأن الطهارة إنما تجوز بالماء، وهذا لا يقع عليه اسم الماء بإطلاقه) "المغني " (1\ 24). . ثانيا: ما اختلف العلماء في حكمه: وهو ما خالطه طاهر يمكن التحرز منه فغير إحدى صفاته- طعمه أو لونه أو رائحته- كماء الزعفران، أو ماء الحمص، أو نحوه، فقد ذهب بعض العلماء- وهو مذهب مالك و الشافعي ورواية عن أحمد - إلى أنه لا تحصل الطهارة به. وذهب آخرون- وهو مذهب أحمد واختيار شيخ الإسلام- إلى أنه تجوز الطهارة به، لقوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } وهذا عام في كل ماء؛ ولأن الصحابة كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم، والغالب أنها تغير الماء، فلم ينقل عنهم أنهم تيمموا مع وجود شيء من تلك المياه معهم؛ ولأن هذا الماء طهور قد خالطه طاهر فلم يسلبه اسم الماء ولا رقته ولا جريانه، فأشبه المتغير بالدهن، قال شيخ الإسلام (الصحيح عندي وعليه نصوص أحمد أنه لا يسلبه الطهورية؛ لأن المتغير بالطاهرات إما أن يتناوله اسم الماء عند الإطلاق أو لا، فإن تناوله فلا فرق بين ما يمكن صونه وما لا يمكن صونه، وبين ما تغير بأصل الخلقة وغيره، وإذا تناوله فلا فرق بين هذين النوعين وبين غيرهما، إذ الفرق بين ما كان دائمة وحادثا، وبين ما كان يمكن الاحتراز عنه وما لا يمكن إنما هي فروق فقهية، أما كونها فروقا من جهة اللغة وتناول اللفظ لها فلا، وبهذا يظهر الجواب عن جميع شواهد أدلتهم) "مختصر الفتاوى المصرية" (ص 13). . وقال الشيخ ابن سعدي- رحمه الله- (الصواب أن الماء نوعان: طهور مطهر ونجس منجس، وأدن الحد الفاصل بينهما هو التغير لأحد أوصافه بالنجاسات والأخباث) "الاختيارات الجلية" (ص 9). ولهذا يقال: لو وضع شخص أقداحا استعملت في شرب الشاي أو القهوة في إناء فيه ماء لغسلها فتغير لون الماء أو طعمه أو رائحته ببقية ما في هذه الأقداح، فمن يقسم الماء إلى ثلاثة أقسام يقول: هذا ماء طاهر وغير مطهر، فلا يصح استعماله في الوضوء والغسل والطهارة عموما. ومن يقوله بأن الماء ينقسم إلى قسمين- وهو الصحيح- يرى أن هذا الماء طهور يصح استعماله في الطهارة ما دام اسم الماء باقيا عليه، بخلاف الماء الذي وضع فيه ورق الشاي وطبخ حتى صار شايا، فهذا لا يسمى ماء فلا تصح الطهارة به. وقول المؤلف (فإن زال تغيره بنفسه عاد إلى طهوريته) أي أنه إذا عاد إلى كونه ماء مطلقة لا يخالطه شيء من الطاهرات فإنه يكون طهورا لا طاهرا، وهذا على اختيار المؤلف من انقسام الماء إلى طهور وطاهر ونجلس، وقد عرفنا الراجح في هذا. |