قوله: [الثالث: نجس يحرم استعماله إلا للضرورة، ولا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل] لحديث ابن عمر قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب فقال { إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث } رواه الخمسة صحيح: رواه الخمسة. قال الألباني (وإعلال بعضهم إياه بالاضطراب مردود) ثم قال (وأما تخصيص القلتين بقلال هجر كما فعل المصنف، قال: "لوروده في بعض ألفاظ الحديث " فليس بجيد، لأنه لم يرد مرفوعا إلا من طريق المغيرة بن سقلاب بسنده عن ابن عمر "إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء" أخرجه ابن عدي في ترجمة المغيرة هذا وقال "لا يتابع على عامة حديثه ". وقال الحافظ في (التلخيص) "وهو منكر الحديث " ثم ذكر أن الحديث غير صحيح. يعني بهذه الزيادة. وفي لفظ ابن ماجه و أحمد { لم ينجسه شيء } يدل على أن ما لم يبلغهما ينجس. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات } متفق عليه أخرجه البخاري (1\ 239- 240 الفتح) ومسلم (1\ 161). يدل على نجاسة من غير تغير؛ ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف عنه. قاله في الكافي "الكافي " (1\ 7). . وحمل حديث بئر بضاعة على الكثير جمعا بين الكل. قاله في المنتقى. [ أو كان كثيرا وتغير بها أحد أوصافه] قال في "الكافي " "الكافي " (1\ 7). بغير خلاف. وقالت في الشرح "الشرح الكبير" (1\ 11). حكاه ابن المنذر إجماعا. الشرح: بين المؤلف هنا القسم الثالث من أقسام الماء وهو النجس (وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل) لحديث القلتين، ففيه دليل على أن النجاسة لو وقعت في ما فوق القلتين لم تنجسه إلا إذا تغيرت إحدى صفاته، أو كانت بول آدمي أو عذرته ولم يشق نزحه. أما الماء القليل- وهو ما دون القلتين- فإنه ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه ولو لم تغير شيئا من صفاته، سواء كانت هذه النجاسة بول آدمي أو عذرته أو غير ذلك، وهذا هو المذهب عند المتقدمين انظر: " الإنصاف " (1\ 75). فلو كان عندنا ماء يبلغ قلة واحدة فسقط فيه روث حمار ولم يغيره، فإن هذا الماء ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة (وهي روث الحمار)؛ لأنه دون القلتين. وذهب بعض العلماء- وهو المذهب عند المتأخرين- انظر: " الإنصاف " (1\ 77). إلى أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس إلا بالتغير دون فرق بين بول الآدمي وعذرته، وبين غيرها من النجاسات، فالجميع سواء، أما إذا لم يبلغ القلتين فإنه ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة، ودليلهم هو حديث القلتين السابق. والقول الصحيح في هذه المسألة- وهو اختيار شيخ الإسلام كما في "الفتاوى" (21\ 525). - أن الماء لا ينجس إلا بالتغير سواء بلغ القلتين أم لم يبلغهما، لقوله -صلى الله عليه وسلم- { الماء طهور لا ينجسه شيء } ويستثنى من هذا ما تغير بالنجاسة فإنه نجس بالإجماع، وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والمحمر وعن الطهارة بها، فقال: { لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور } رواه ابن ماجه في الطهارة برقم (519) عدت أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وسنده ضعيف، وكذا رواه الدارقطني (1\ 31) وسكت عنه. ولم يفرق بين القليل والكثير. وأما حديث القلتين فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، فمن قال بأنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث { إن الماء طهور لا ينجسه شيء } لأن الضعيف لا تقوم به حجة. وعلى القول بأنه صحيح، يقال بأن له منطوقا ومفهوما، فمنطوقه أن الماء إذا بلغ القلتين لم ينجس وليس هذا على عمومه- كما سبق- لأنه يستثنى منه ما إذا تغير بالنجاسة، فإنه يكون نجسا بالإجماع، ومفهومه: أن ما دون القلتين ينجس، فنقول: ينجس إذا تغير بالنجاسة، لأن منطوق حديث { الماء طهور لا ينجسه شيء } مقدم على هذا المفهوم؛ لأن المفهوم يصدق بصورة واحدة وهي هنا صادقة فيما إذا تغير، وقد تقدم ترجيح القول بأن الماء قسمان: طهور ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير بالنجاسة، وأنه لا فرق بين القليل والكثير، فعلى هذا يقال بأن دلالة حديث القلتين دلالة مفهوم، ودلالة حديث بئر بضاعة دلالة منطوق، وهو مقدم على المفهوم، وإن كان عمومه مخصوصة بما إذا لم تتغير أوصافه بالنجاسة. |