قوله: [ ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه ثم بالماء ] لقول عائشة -رضي الله عنها- { مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله } صححه الترمذي لا أصل له بهذا اللفظ، وإنما أخرجه الترمذي (1\ 30- 31) والنسائي (1\ 18) وأحمد (6\95 و 113 و 120 و 130 و 171 و 236) والبيهقي (1\107- 108) من طريق قتادة عن معاذة عنها بلفظ: "أن يغسلوا عنهم " بدل "أن يتبعوا الحجارة بالماء" والباقي مثله سواء. قال الألباني: يبدو أن المؤلف- رحمه الله- اختلط عليه هذا الحديث الصحيح بحديث ضعيف روي في أهل قباء فيه ذكر الجمع بين الحجارة والماء، وهو ما رواه البزار في مسنده قال: حدثنا عبد الله بن شبيب ثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز: وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) فسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فقالوا: نتبع الحجارة الماء. قال البزار: (لا نعلم أحدا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز ولا عنه إلا ابنه) قال الحافظ في التلخيص (ص 41): (ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال: ليس له ولا لأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم، وعبد الله بن شبيب ضعيف أيضا) والصحيح أن الآية نزلت في استعمالهم الماء فقط، كما يأتي في الكتاب من حديث أبي هريرة قريبا- إن شاء الله تعالى-. [فإن عكسن كره ] نص عليه، لأن الحجر بعد الماء يقذر المحل. [ويجزئ أحدهما] أي الحجر أو الماء، لحديث أنس { كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء، وعنزة، فيستنجي بالماء } متفق عليه أخرجه البخاري (1\ 202، 203) ومسلم (1\ 156). . وحديث عائشة مرفوعا: { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه } رواه أحمد وأبو داود صحيح: أخرجه أحمد في المسند (6\ 108- 133) وأبو داود (رقم 30). . [والماء أفضل] لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعا: { نزلت هذه الآية في أهل قباء { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية } صحيح: أخرجه أبو داود (1\ 8) والترمذي (4\ 119- بشرح التحفة) وابن ماجه (رقم 357). . الشرح: ورد عند البزار في رواية أنهم كانوا يتبعون الحجارة الماء، لكن هذا الحديث قيل بأنه لا أصل له بهذا اللفظ، أما الحديث الصحيح فهو بغير هذا اللفظ، يعني ليس فيه الجمع بين الماء والحجارة، وإنما فيه الاستنجاء بالماء، وهو حديث صحيح أخرجه الترمذي و النسائي و البيهقي من طريق قتادة عن معاذة بلفظ: { أن يغسلوا } بدل { أن يتبعوا الحجارة بالماء } . فالرواية الصحيحة فيها الاقتصار على الماء وليس فيها ذكر الحجارة. وقد ورد في الجمع بين الحجارة والماء حديث في مسند البزار ولكنه ضعيف، وهو في قصة أهل قباء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سألهم عن سبب مدح الله لهم في قوله: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } فقالوا: { إنا نتبع الحجارة بالماء } هكذا ذكره صاحب بلوغ المرام انظر: "سبل السلام شرح بلوغ المرام " (1\83). وقد سبق الكلام على هذا الحديث. ولكن إسناده لا يصح. وقد روى ابن أبي شيبة أثرا عن علي -رضي الله عنه- أنه أمر أهل زمانه بهذا، وقال لهم: "إن من كان قبلكم كانوا يبعرون بعرا، وإنكم تثلطون ثلطا! فأتبعوا الحجارة بالماء" مصنف ابن أبي شيبة (1\1154). . وذلك لأن أهل زمانه كثرت عليهم النعم فكان من آثار ذلك أن المسح لا يطهرهم، فيحتاجون إلى الغسل، فتكون الحجارة مزيلة للجرم، والماء مزيلا لأثر النجاسة، وبلتها، ورطوبتها التي تلتصق بالمحل. ففي هذه المسألة هذان الحديثان السابقان، وهما ضعيفان، وفيها هذا الأثر الصحيح عن علي -رضي الله عنه-. وعكس هذه أن يبدأ الإنسان بالماء فيغسل الفرج، ثم بعد ذلك يمسح بالحجر، وهذا لا حاجة إليه، لأن الحجر لا يزيد النظافة، بل قد يزيد المحل قذرا ووسخا. أما الاقتصار على الماء فدليله حديث أنس - السابق- حيث لم يذكر فيه إلا الماء، وقال: { كان -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء، وعنزة، فيستنجي بالماء } فلم يذكر الاستجمار في هذا الحديث، فدل هذا على أنه يكتفى بالماء. والعنزه هي العصا التي في رأسها حديدة، وقيل عن سبب حمله لها: أنه يحفر بها الأرض إذا كانت صلبة حتى لا يأتيه رشاش البول من الأرض الصلبة، وقيل: بأنه كان يركز العنزة وينشر عليها ثوبا ليستتر له عن أعين الناظرين. وقيل: بل ليحفر بها الأرض أممي يحصل على حجارة يستجمر بها وقال الحافظ بعد أن ذكر هذه الاحتمالات (أو تحمل لأنه كان إذا استنجى توضأ، وإذا توضأ صلى، وهذا أظهر الأوجه) (الفتح 1\304). . وكما يكفي الماء فإن الاستجمار يكفي وحده- أيضا- لحديث عائشة الصريح: { إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار، فإنها تجزيء عنه } والاستطابة هي تطييب المحل بالمسح. والاقتصار على الماء أفضل، والأفضل من ذلك الجمع بينهما للأثر السابق عن علي أما إن خير بين الاقتصار على الحجارة أو الماء، فالاقتصار على الماء أفضل، لقوله تعالى في أهل قباء: { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } فسمى فعلهم طهارة، ومدحهم بهذا، وقد علمنا أن طهارتهم هي الاستنجاء بالماء. |