دعوة تقارب الأديان السماوية

[س 30]: ما الحكم الشرعي في عمل بعض الجمعيات المحسوبة على الإسلام (دعوة إلى تقارب الأديان السماوية اليهودية- النصرانية- الإسلام) حيث يقولون: إن الإنسان يستطيع أن يختار ما يريد من هذه الأديان، وليس ملزما بدين محدد، وهذا يكثر وللأسف في بلاد أمريكا وأوربا. نرجو توضيح هذه المسألة بالتفصيل، أثابكم الله وبارك فيكم؟ الجواب: هذه الجمعيات- وللأسف- لا ينبغي تعدادها مع المسلمين، فإن دعوتها إلى التقارب إنما هي إلغاء الإسلام من أن يكون هو الدين الحق والهدى المستقيم، وذلك أن الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة، وجعل دينه هو الدين الحق، الواجب الاتباع كما قال تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ } أي إلى الناس كلهم، وفي القرآن نداء جميع الناس كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } ونحو ذلك كثير، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- { بعثت إلى الناس كافة } أخرجه البخاري برقم (438) كتاب الصلاة، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو جزء من قوله -صلى الله عليه وسلم-: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة " وأخرجه مسلم رقم (3) كتاب المساجد، باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. وأخرجه أحمد في المسند (3\ 304). وأخرجه النسائي برقم (432) كتاب الغسل، باب (التيمم بالصعيد). وأخرجه الدارمي برقم (1361) كتاب الصلاة، باب (الأرض كلها طهور ما خلا المقبرة والحمام) كلهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. . وفي رواية. { وبعثت إلى كل أحمر وأسود } هذا اللفظ في رواية مسلم التي سبق ذكرها حديث رقم (3) كتاب المساجد. . فعلى هذا لا دين إلا الإسلام، وهو الذي نسخ الأديان السابقة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي } أخرجه أحمد في المسند (3\387)، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-. وصححه الألباني. . وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار } أخرجه مسلم برقم (153) كتاب الإيمان، باب (وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-) عن أبي هريرة رضي الله عنه. . رواه مسلم وروى الإمام أحمد نحوه عن أبي هريرة أخرجه أحمد في المسند (2 \ 317) عن أبي هريرة رضي الله عنه. . فإذا عرف أن جميع الأمم مخاطبون بالقرآن، ومكلفون باتباع هذا النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؛ عُرف أن من لم يدخل في هذا الدين بل كفر بالقرآن وكذب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لم يقبل رسالته، فإنه من أهل النار، فعلى هذا ينكر على دعاة التقريب بين الأديان الذين قصدهم وجود المودة والمحبة وتبادل المنفعة بين جميع الأمم، وعدم الإنكار من بعضهم على بعض، وذلك هو الموالاة التي نهى الله عنها بقوله: { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } وهكذا ما يفعله ويدعو إليه بعض أهل السنة من التقارب مع الرافضة، فإنه دعوة إلى التخلي عن عقيدة أهل السنة والجماعة واندماج مع المبتدعة، وعدم إنكار لما هم عليه من البدع، وكل ذلك من الموالاة التي حرمها الله تعالى أقول وبالله التوفيق: أما حكم التقريب مع الرافضة فليراجع كتاب الدكتور ناصر القفاري: "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة" فهو مرجع مفيد ومؤيد بالأدلة والبراهين. وأما مسألة حرية اختيار الدين التي ينادي بها الكفار وأعداء الدين وبعض جهلة المسلمين، فهي مردودة على قائلها؛ لأن المسلم الموحد لا يدعو إلى مثل هذه الأباطيل لما تحتوي عليه هذه الدعوة من نقض أصول الإسلام التي جاء بها نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم-. ومناقضة ما جاء به القرآن الكريم حيث يقول المولى جل وعلا: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } لأن مفهوم الآية: الدين المقبول والمرتضى عند رب العباد هو دين الإسلام، وقوله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وهذه الآية تبين أن من تعبد الله بغير دين الإسلام فلن يقبل منه عمله؛ بل هو والعياذ بالله من الخاسرين، ويؤكد على ذلك أيضا قوله تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } لماذا؟ لأن من عبد الله على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- فعبادته مردودة عليه حيث أن جميع الديانات التي كانت قبله -صلى الله عليه وسلم- منسوخة ببعثه، فمن لم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا فهو خاسر في الدنيا والآخرة والعياذ بالله. وللفائدة نقلت فتوى للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة سماحة الوالد الشيخ العلامة \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ونائبه الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وعضوية أصحاب الفضيلة العلماء: الشيخ \ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، والشيخ \ صالح بن فوزان الفوزان، والشيخ \ بكر بن عبد الله أبو زيد، حفظهم الله جميعا في مسألة (وحدة الأديان) برقم (19402) وتاريخ 25\ 1\ 1418 هـ. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى (وحدة الأديان): دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء: مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب، وبعد التأمل والدراسة فإن اللجنة تقرر ما يلي: أولا: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } والإسلام بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان. ثانيا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى: "القرآن الكريم " هو آخر كتب الله نزولا وعهدا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى: "القرآن الكريم" قال الله تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ } ثالثا: يجب الإيمان بأن (التوراة والإنجيل) قد نسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم منها قول الله تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } وقوله جل وعلا { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } وقوله سبحانه: { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وعلى هذا فما كان منها صحيحا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال عليه الصلاة والسلام: " أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " رواه أحمد والدارمي وغيرهما. رابعا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال الله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان أحد من أنبياء الله ورسله حيا لما وسعه إلا اتباعه -صلى الله عليه وسلم- - وأنه لا يسع أتباعه إلا ذلك- كما قال الله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } ونبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وحاكما بشريعته. وقال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- عامة للناس أجمعين، قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } وقال سبحانه: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وغيرها من الآيات. خامسا: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافرا، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار كما قال تعالى: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } وقال جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } وغيرها من الآيات. وثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أهل النار " ولهذا: فمن لم يُكفّر اليهود والنصارى فهو كافر، طردا لقاعدة الشريعة: (من لم يكفر الكافر فهو كافر). سادسا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى: (وحدة الأديان) والتقارب بينها وصهرها في قالب واحد دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قوله سبحانه: { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } وقوله جل وعلا: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً } سابعا: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله جل وتقدس يقول: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } ويقول جل وعلا: { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } ثامنا: أن الدعوة إلى (وحدة الأديان) إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله -عز وجل-، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع. تاسعا: وتأسيسا على ما تقدم: 1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلا عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها ونداوتها والانتماء إلى محافلها. 2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد!! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد، لما في ذلك من الجمع بين الحق (والقرآن الكريم) والمحرف أو الحق المنسوخ (التوراة والإنجيل). 3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد، لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة: لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك. كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس (بيوت الله) وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله، لأنها عبادة غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } بل هي: بيوت يُكفر فيها بالله. نعوذ بالله من الكفر وأهله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (22 \ 162): "ليست- أي: البيع والكنائس- بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يذكر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها وأهلها كفارا، فهي بيوت عبادة الكفار". عاشرا: ومما يجب أن يُعلم أن دعوة الكفار بعامة وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة قال الله تعالى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون والله المستعان على ما يصفون. قال تعالى: { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ } * وإن اللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس فإنها توصي المسلمين بعامة وأهل العلم بخاصة بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاته، والكفر وأهله، وتحذرهم من هذه الدعوى الفكرية الضالة: (وحدة الأديان). ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سببا في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم. نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدى ونور من ربنا حتى نلقاه وهو راض عنا. وبالله التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وهذا رد لسماحة الإمام الشيخ العلامة \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله- على أحد الذين ينادون بخلط الحق بالباطل، والصواب بالخطأ، إنه المدعو \ روجيه الجارودي، وقد كان رد العلامة ابن باز شافيا كافيا، وضعا للحق في نصابه فجزاه الله عنا خير الجزاء: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد كثر في الآونة الأخيرة في الصحف، والمجلات، الكلام عن الرجل المسمى (روجيه جارودي) الشيوعي الفرنسي، الذي ادعى أنه دخل الإسلام عن اقتناع ومحبة، ففرح بذلك بعض المسلمين، وأظهروا حفاوة به، وأكرموه، ومنحوه الثقة، وجعلوه عضوا في المجلس الأعلى العالمي للمساجد في رابطة العالم الإسلامي، وصار يحضر الندوات واللقاءات التي تعقد في العالم الإسلامي عن الإسلام متحدثا ومناظرا. ثم لم يلبث أن تكشفت حقيقته، وافتضح أمره، وبان ما كان يخفيه في صدره من حقد على الإسلام والمسلمين، وأنه لم يزل على كفره وإلحاده، فانضم إلى أشكاله من المنافقين الذين قال الله فيهم: { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ } وآخر ما نشر عنه الحوار الذي أجرته معه مجلة المجلة في عددها (839) حيث جاء فيه أنه لم يتخل عن اعتقاداته الخاصة، وأنه لم يعتنق الإسلام الذي عليه المسلمون، إنما اعتنق إسلاما آخر تخيله بذهنه، زعم أنه خليط من الأديان: اليهودية والنصرانية، ومن الإسلام الذي تخيله هو لا الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- وقال: إن هذا الإسلام المزعوم هو دين إبراهيم -عليه السلام-، فإبراهيم بزعمه هو أول المسلمين، فالإسلام بدأ من عهد إبراهيم، قال: ولم يكن إبراهيم يهوديا، ولا مسيحيا، ولا مسلما بالإسلام التاريخي للكلمة أي الذي عليه المسلمون اليوم، وكذب في ذلك، فإن الإسلام الذي هو توحيد الله بالعبادة وترك عبادة ما سوأه هو موجود من قبل إبراهيم من عهد آدم ونوح والنبيين من بعده، وهو دين جميع الرسل، وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وهو دين المسلمين اليوم من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } وقال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } وقال تعالى: { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ولم يكن دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام خليطا من الحق والباطل كما زعم هذا الضال، بل كان دينه التوحيد الخالص لله -عز وجل- والبراءة من الشرك وأهله، قال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } وهو الدين الذي بعث الله به محمدا -صلى الله عليه وسلم-، ويرى هذا الضال أن البراءة من الكفر والشرك وما عليه اليهود والنصارى من الوثنيات والتحريفات الباطلة دين تفرقة؛ لأن الإسلام في مخيلته معناه التوحيد والتقارب بين المسلمين، وغير المسلمين، يريد إسلاما يجمع بين المتناقضات والمتضادات ويكفر المسلمين الذين يخالفونه في ذلك. ويرى أيضا أن سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والفقه الإسلامي المستنبط من الكتاب والسنة انتهت صلاحيتهما في هذا الزمان، لأنهما كانا لزمان معين، وأنه يجب إحداث فقه جديد وهذا معناه ترك دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يصلح لهذا الزمان وإحداث دين جديد، وهذا كفر بعموم رسالة الرسول لكل زمان ومكان، ولكل جيل، ولكل البشرية إلى أن تقوم الساعة، وكفر بختم الرسالة بمحمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين، وكفر بصلاحية رسالته لكل زمان ومكان، وهذا كفر صريح، وقول قبيح مناقض لقول الله سبحانه: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وقوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } وقوله -عز وجل-: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } وقوله سبحانه: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " متفق على صحته . وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وقد أجمع العلماء رحمهم الله من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إجماعا قطعيا على أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الثقلين الإنس والجن، وهو خاتم النبيين لا نبي بعده. ثم يتناول هذا الملحد الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة وهو الصلوات الخمس الثابت بالكتاب والسنة والمعلوم من الدين بالضرورة، فيرى أن الصلوات ثلاث صلوات في اليوم والليلة لا خمس صلوات، ويزعم أن هذا هو ما يدل عليه القرآن. وهذا القول الباطل بل الكفر الصريح ناتج عن كفره بالسنة التي بينت الأوامر التي جاءت في القرآن ومن ذلك الصلوات، فقد بينت السنة الصحيحة المتواترة أنها خمس صلوات في اليوم والليلة وأجمع المسلمون على ذلك. ثم بين هذا الضال الصلاة التي يعنيها، وأنها ليست الحركات التي هي عبارة عن القيام والقراءة والركوع والسجود، إنما هي التفكير العميق في الذات الإلهية. وذلك يستغرق عنده ساعات الليل والنهار الأربع والعشرين ساعة. وهذه صلاة الباطنية الملاحدة لا صلاة الأنبياء وأتباعهم، وهذا القول كفر صريح وردة عن الإسلام عند جميع أهل العلم، ثم تناول الركن الرابع من أركان الإسلام وهو الصيام، وقال: إنه ليس هو الامتناع عن الأكل والشرب، إنما هو معاني الصيام وأهدافه، ثم إنه أعفى سكان المناطق القطبية من الصيام، لأنه لا يمكن تطبيقه في مناطقهم؛ لأنه ليس عندهم طلوع فجر ولا غروب. وهذا تكذيب لله ولرسوله ولإجماع المسلمين في أن الصيام ترك الأكل والشرب وسائر المفطرات. قال تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " متفق على صحته. فمن أعظم منافيات الصيام الأكل والشرب، وأما الاقتصار على معاني الصيام وأهدافه، فليس صياما شرعيا، إنما هو صيام الباطنية الذين يقولون: الصيام هو كتم الأسرار، وهذا إلحاد في دين الله -عز وجل-، وكذلك لا يعفى أحد من الصيام في جميع أقطار الأرض؛ لأن أحكام الشريعة عامة للبشرية أينما كانت إنما يصوم المسلم حسب استطاعته. وكيفية صيام أهل المناطق القطبية قد بحثها علماء المسلمين قديما وحديثا وقرروا فيها رأيهم حسب ما ظهر من أدلة الكتاب والسنة. ثم إن هذا الملحد يجهل علماء المسلمين فيقول: قد عملت معهم عندما كنت عضوا في المجلس الأعلى العالمي للمساجد واكتشفت أنهم أناس جهلة، بل إنهم من أجهل الناس إطلاقا يرددون بطرق آليـة الأحاديث النبوية وآراء فقهاء القرون الوسطى التي حفظوها عن ظهر قلب، ولا أعتقد أن لدي استعدادا للتعاون مع هؤلاء بشأن أي موضوع كان، بسبب الانطباعات السيئة التي تركوها في ذهني. هذا شعوره نحو علماء الإسلام الذين اغتر الكثير منهم به، وأحسنوا به الظن وأكرموه وأشركوه معهم في مؤتمراتهم وندواتهم، وإنها لموعظة للعلماء أن لا يتسرعوا بمنح الثقة لكل من تظاهر بالإسلام، خصوصا من أمثال جارودي ممن عرفوا بالإلحاد والزندقة والشيوعية قبل ادعاء الإسلام حتى يتثبتوا في شأنه. ومن كفر جارودي الصريح أنه يدعو إلى تعطيل حد السرقة، وتغيير مقادير المواريث، فيرى أن قطع يد السارق اليوم غير مناسب، وهذا اتهام للإسلام بالقصور وعدم صلاحيته لكل زمان ومكان. بل هو وصف لله سبحانه بالجهل، وأنه لا يعلم ما يجد في المستقبل وما يناسبه من العقوبة، فإن الله سبحانه أمر بقطع يد السارق والسارقة جزاء بما كسبا، ثم ختم الآية بقوله سبحانه: { وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فهو سبحانه يشرع لكل ذنب من العقوبة ما يناسبه ويمنع وقوعه في كل زمان ومكان، ثم يقول: لو كنت قاضيا وجاءني أخ وأخت يتنازعان في قضية ميراث، لأعطيت البنت ضعف ما أعطي الذكر، وهذا مصادم لقوله تعالى في شأن الإخوة في آخرة سورة النساء: { وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } فهو اعتراض على الله في حكمه، وكفى بذلك كفرا وإلحادا. ثم يدعو علماء الإسلام أن يتمردوا على شرع الله كما تمرد المسيحيون على البابا وثاروا في وجه الكنيسة، فهو يسوي بين الدين الحق الذي هو دين الإسلام، ودين الكفر الذي هو دين البابوات ورجال الكنيسة المغير لشرع الله. وأخيرا فإن روجيه جارودي لا يحكم عليه بأنه مرتد عن دين الإسلام كما توهمه بعضهم، وإنما هو كافر أصلي، لم يدخل في الإسلام كما اعترف هو بذلك حيث يقول: (انتهيت إلى الإسلام دون التخلي عن اعتقاداتي الخاصة وقناعاتي الفكرية). إن دين الإسلام لا يجتمع مع القناعات الإلحادية، ولا يجتمع مع اليهودية والنصرانية، لأنهما ديانتان محرفتان ومنسوختان بدين الإسلام الذي بعث الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، وأمره أن يقول: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } وقال -صلى الله عليه وسلم- : " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " أخرجه مسلم في صحيحه كما تقدم. وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " وبذلك يعلم أنه لا يسع أحدا من هذه الأمة جنها وإنسها إلا اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقبل الله من أحد بعد بعثته إلا دينه، ودينه هو الإسلام وهو صالح لكل زمان ومكان، إلى أن تقوم الساعة، قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } وقال تعالى: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } وقال سبحانه: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وقال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ } وتقدم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " وذلك أن الله سبحانه أخذ الميثاق على الأنبياء كلهم من أولهم إلى آخرهم بالإقرار بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وعموم رسالته، وأنه لو بعث وأحد منهم حي وجب عليه اتباعه وطاعته ومناصرته، وهذا الحكم يتناول أتباعهم أيضا، فإن من زعم أنه يتبع موسى وعيسى يجب عليه أن يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بعدما بعثه الله ويتبعه؛ لأن رسالته ختمت الرسالات وشريعته نسخت الشرائع، ولم يبق دين مقبول عند الله سوى الدين الذي بعثه الله به، كما قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وهذا الحكم واجب على جميع المكلفين من الجن والإنس إلى يوم القيامة، كما تقدم ذلك في قوله سبحانه آمرا نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للناس: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } الآية من سورة الأعراف. وتقدم قوله سبحانه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } وقوله -عز وجل-: { فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة " متفق على صحته، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار " والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا المعنى كثيرة، وأسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يثبتنا وإياهم على دينه، وأن يمنحنا جميعا الفقه فيه والاستقامة عليه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شر أعداء الله ومكائدهم كالجارودي وأشباهه من سائر الملحدين والكافرين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. والله أعلم.