قوله: [فصل: يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى ] لأنها لما خبث. [وقول بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث[ لحديث علي مرفوعا: { ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله } رواه ابن ماجه صحيح: أخرجه الترمذي (2\ 503 -504 طبعة شاطر) وابن ماجة (1\127- 128). وعن أنس { كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } رواه الجماعة أخرجه البخاري (1\ 195، 11\ 109) ومسلم (1\ 195). . [وإذا خرج قدم اليمنى] لأنها تقدم إلى الأماكن الطيبة. [وقال: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ] لحديث عائشة { كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك } حسنه الترمذي صحيح: أخرجه أبو داود (1\ 6) والترمذي (1\ 12). وعن أنس كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء يقول: { الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني } رواه ابن ماجه ضعيف: أخرجه ابن ماجه (1\ 129). . الشرح: القاعدة المتبعة أن اليمين تقدم في كل أمر شريف فاضل، وتؤخر الشمال، فتكون اليمين أولى بالسبق إلى المكان الفاضل. فبيت الخلاء مكان قذر؛ فلذلك تقدم له الشمال، وتؤخر اليمين، وعند الخروج يبادر بتقديم اليمين وتأخير الشمال. أما في المسجد فتقدم اليمين، وتؤخر الشمال، وهكذا البيت؛ لأن البيت أفضل من الأسواق، فإذا خرج من البيت قدم الشمال. وقيل: بأن هذا التقديم هو من باب التفاؤل باليمين، وقيل: من باب التكريم. هذا هو البحث الأول. أما البحث الثاني فهو فيما يقول عند الدخول والخروج، فقد ذكر أنه قول عند دخوله الخلاء (بسم الله) ثم يستعيذ بالله من الخبث والخبائث، فالبسملة ستر ما بين الجن وعورات بني أدم كما وردها الحديث، وذلك لأن الحشوش وأماكن الأذى محتضرة، فقد ورد في الحديث: { إن هذه الحشوش محتضرة } رواه أبو داود (1\ 16)، وابن ماجه (1\ 108). يعني: تحضرها الشياطين؛ فلذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذكر اسم الله عند دخولها، كما أمر بالتستر. وأما قوله: (الخبث والخبائث) ففيهما تفسيران: قيل بأن الخبث هو الشر، والخبائث الأشرار. وقيل بأن الخبث ذكران الجن، والخبائث إناثهم. وعلى كل فالاستعاذة من ذلك مفيدة حيث أن المستعيذ يتحصن من الشرور؛ لأن الاستعاذة معناها التحفظ، فإذا قلنا: (أعوذ) فمعناها: أتحفظ، وألتجئ، وأعتصم، وأحتمي، وأستجير بالله من شرهم. فالمستعيذ بالله كأنه يشعر من نفسه بالعجز والضعف، فهو بحاجة إلى ربه ليعينه على الحفظ من ذلك الشر، فكأنه يقول: إن الشياطين محدقون بي، ويحاولون الإضرار بي، وليس لي من يعيذني ويحفظني إلا الله، فأنا ألتجئ إليه، وأعتصم به، وأحتمي به ليعيذني ويقيني من شرهم. و (الخبث) فيها روايتان: 1- بإسكان الباء (الخبث) وهو الشر، فالمعنى: أعوذ بالله من الشر . 2- (الخبث) بضم الباء، وهو جمع خبيث، وهو الشيطان، فالشياطين أهل الخبث، وكل منهم خبيث قال الخطابي في معالم السنن (1\ 16) (وعامة أصحاب الحديث يقولون: "الخبث " ساكنة الباء، وهو غلط. والصواب "الخبث " مضمومة الباء. وتعقبه النووي في المجموع (2\ 74) بقوله: (وهذا الذي غلطهم الخطابي فيه ليس بغلط، بل إنكار تسكين الباء وشبهه غلط، فإن التسكين في هذا وشبهه جائز تخفيفا بلا خلاف عند أهل النحو والتصريف، وهو باب معروف عندهم، فمن ذلك كتب ورسل وعنق وأشباهها مما هو على ثلاثة أحرف مضموم الأول والثاني...) إلى أن قال ( وقد صرح جماعة من أئمة هذا الفن بإسكان الباء، منهم: أبو عبيد القاسم بن سلام إمام هذا الفن..). . أما الدعاء عند الخروج فقد روي فيه حديثان: ففي حديث عائشة يقول: { غفرانك } وفي حديث أنس يقول: { الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني } وحديث أنس في إسناده عند ابن ماجه رجل ضعيف، لكن له شاهدا عند ابن السني وفي إسناده ضعفه أيضا، فلعل الفقهاء قبلوه لأجل الشاهد، فإنه يقويه. ومناسبة الدعاء بغفرانك هو سؤال المغفرة، فكأن الداخل إلى الخلاء لما شعر ثقل الأذى الذي يحمله، ثم شعر بخفته بعد الخروج تذكر ثقل الذنب، فسأل الله غفران الذنوب، فكأنه يقول: أسألك يا رب التخفيف عني من الذنوب التي ثقلها يكون معنويا، وهو أشد. وقيل: مناسبة ذلك تقصير الإنسان عن أداء حق النعم، فإن الله تعالي له نعم عظيمة على عباده، ومن بينها نعمة الأكل، والانتفاع به، ثم تسهيل خروجه من الإنسان. وقد روي أن عليا كان يمسح بطنه إذا خرج من الخلاء ويقول: يالها من نعمة! وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- عند الأكل: { الحمد لله الذي أطعم، وسقى، وسوغه، وجعل له مخرجا } فيكون سؤال المغفرة لأجل التقصير في حق هذه النعمة انظر: "المجموع شرح المهذب " (2\ 74)، و"نيل الأوطار" (1\88)، و"معالم السنن " (1\ 32) و "إغاثة اللهفان ( 1\ 58). . |