[س 31]: تعلمون- حفظكم الله- أن عيسى -عليه السلام- دعا إلى عبادة الله وحده مثل بقية الأنبياء الذين سبقوه نرجو توضيح الآيات التي ذكرت ذلك من القرآن والإنجيل. الجواب: قال الله تعالى في سورة آل عمران حاكيا عن عيسى { وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } وقال تعالى في سورة المائدة: { وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } وقال تعالى في هذه السورة: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } وأخبر عنه في سورة مريم أنه قال: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } إلى قوله: { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } وقال تعالى في سورة الزخرف: { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } وقال تعالى في سورة الصف: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } . وأما الإنجيل فقد نقل ابن القيم في (هداية الحيارى) في الوجه الخامس عن الإنجيل أن المسيح قال للحواريين: "إني ذاهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق، لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له، وهو يشهد علي وأنتم تشهدون؛ لأنكم معي من قبل الناس، وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به ". وفي إنجيل يوحنا: "الفارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب، وإذا جاءكم وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكن مما يسمع به، ويكلمكم ويسوسكم بالحق، ويخبركم بالحوادث والغيوب ". وفي موضع آخر: "إن الفارقليط روح الحق الذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء". وفي موضع آخر: "إني سائل له أن يبعث إليكم فارقليطا آخر يكون معكم إلى الأبد، وهو يعلمكم كل شيء". وفي موضع آخر: "ابن البشر ذاهب، والفارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار، ويفسر لكم كل شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل ". والفارقليط بلغتهم لفظ من ألفاظ الحمد، إما أحمد أو محمد أو محمود أو حامد ونحو ذلك انظر (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) لابن القيم رحمه الله، الوجه الخامس ص 115. . وفي موضع آخر: "إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم فارقليطا يثبت معكم إلى الأبد، ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه؛ لأنهم لم يعرفوه، ولست أدعكم أيتاما، إني سآتيكم عن قريب " هداية الحيارى، في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم رحمه الله، الوجه الخامس ص 116. إلى غير ذلك من النقول التي ذكرها ابن القيم وغيره، والله أعلم أقول وبالله التوفيق: هناك نصوص تفند وتبطل عقيدة التثليث، وتبين أن عيسى -عليه السلام- دعا إلى التوحيد، ذكرها رحمة الله بن خليل الهندي في كتابه: إظهار الحق (3\736) نقلا من الأناجيل: النص الأول: الإصحاح (17) فقرة (3) من إنجيل يوحنا: "وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته " فبين عيسى -عليه السلام- أن الحياة الأبدية عبارة أن يعرف الناس أن الله واحد حقيقي، وأن عيسى -عليه السلام- رسوله، وما قال: إن الحياة الأبدية أن يعرفوا أن ذاتك ثلاثة أقانيم ممتازة بامتياز حقيقي، وأن عيسى إنسان وإله، أو أن عيسى إله جسم. النص الثاني: الإصحاح (12) فقرة (28) من إنجيل مرقس: "فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسنا سأله: أية وصية هي أول الكل، فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى، وثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. ليس وصية أخرى أعظم من هاتين، فقال له الكاتب: جيدا يا معلم، بالحق قلت، لأنه الله واحد وليس آخر سواه". تنبيه: حرف صاحب الترجمة العربية المطبوعة سنة 1811 م قول المسيح بتبديل ضمير المتكلم بضمير الخطاب، وترجم هكذا: "الرب إلهك إله واحد" وضيع بهذا التحريف المقصود الأعظم؛ لأن ضمير المتكلم هنا دال على أن عيسى ليس برب، بل عبد مربوب، بخلاف ضمير الخطاب، والظاهر أن هذا التحريف قصدي. النص الثالث: الإصحاح (19) فقرة (16) من إنجيل متّى: "وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلم الصالح، أي الصلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية، فقال له: لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالح إلا واحد وهو الله ". فهذا القول يقلع أصل التثليث، وما رضي تواضعا أن يطلق عليه لفظ (الصالح) أيضا، ولو كان إلها لما كان لقوله معنى ولكان عليه أن يبين: (لا صالح إلا الأب، وأنا روح القدس) ولم يؤخر البيان عن وقت الحاجة، وإذا لم يرض بقوله "الصالح "، فكيف يرضى بأقوال أهل التثليث التي يتفوهون بها في أوقات صلواتهم: "يا ربنا وإلهنا يسوع المسيح، لا تضيع من خلقت بيدك". أقول وبالله التوفيق: إن هذه النصوص تؤيد ما قاله عيسى ابن مريم في القرآن كما قال الله تعالى: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } فعيسى دعا إلى عبادة الله وحده، وسيتبرأ مما عمله الضالون. نسأل الله العافية. يسوع هو: عيسى -عليه السلام-، وهو مقلوب يسوع، وينطق بالعبرية، (يشوع) كما ذكر ذلك صاحب كتاب (إظهار الحق) في (3\ 736). . |