[س 32]: إن حال النصارى هو عبادة عيسى فتجدهم يقسمون به، ويستعيذون به، ويلجأون إليه ويدعون ويذبحون له -عليه السلام-؛ لأنهم يعتقدون أنه المخلص، وأنه صلب من أجل البشر؛ ليكفر عن خطيئة آدم- -عليه السلام- إلخ تلك الاعتقادات، فما الرد الشرعي على مثل هذه العقائد المخالفة للدليل؟ الجواب: لا شك أن عيسى عبد لله تعالى مخلوق ؛ حيث إن أمه حملت به كما تحمل النساء ثم وضعته، كما قال الله تعالى: { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ } وهو الطلق الذي يحصل للنساء عادة عند الولادة، وأنه ولد صغيرا حتى جعلته أمه في المهد الذي هو معتاد للأطفال عند الولادة، ولا شك أنه ارتضع من الثدي، وأكل الطعام كسائر نوع البشر، كما قال تعالى: { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ } ومعلوم أن من يحتاج إلى أكل الطعام فهو ناقص، لا يصلح أن يكون هو الإله، ولأنه يحتاج إلى التخلي في الدنيا، وذلك عيب ظاهر ينافي صفة الألوهية والربوبية، ثم إن اليهود يدعون أنهم قتلوه، وصلبوه، وتوافقهم النصارى على ذلك، وذلك دليل عجزه فيما اعتقدوه، فإن القادر الإله الحق ينتقم ممن عصاه، أو حاربه فكيف يدعون أنه ابن الله، ثم يصلب ويؤذى، وربه يراه- وهو ولده بزعمهم- ولا ينتصر لولده؟ ولا شك أن عمل النصارى في دعائهم له وذبحهم له، وحلفهم به ولجوئهم إليه دليل على سخافة عقولهم وقلة أفهامهم، وإلا فكيف يعظمون الصليب الذي صلب عليه إلههم ومعبودهم؟ فإن الأولى أن يحطموه ويحرقوه، ثم كيف يعظمون هذا الابن الذي عجز في زعمهم عن الانتقام لنفسه؛ فإنه أولى أن يعجز عن إجابة طلبهم وإنقاذهم من النار، وعن نصرهم على الأعداء؟ وكيف صلب ليكفر عن البشر خطيئة آدم؟ فإن آدم قد تاب كما قال تعالى: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } وكيف لم يبذل أحد من أولاد آدم نفسه ليكفر عن أبيه، وبقيت خطيئة آدم حتى جاء عيسى وبذل نفسه فداء لآدم؟ هذا كله دليل ضعف عقول هؤلاء المشركين. فأما تكلم عيسى وهو في المهد فإنه آية ومعجزة له، وقد تكلم غيره كصاحب جريج وغيره أخرج البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى، ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يمص إصبعه، ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون سرقت زنيت، ولم تفعل " وأخرجه مسلم رقم (7، 8) كتاب البر والصلة، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأحمد في المسند (2\307). وأما كون عيسى يخلق من الطين كهيئة الطير ويحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، والأبرص، فإن هذه معجزات له تدل على نبوته وصدقه فيما يدعو إليه، كما أيد الله موسى باليد والعصى وفلق البحر ونحوها من المعجزات، والله أعلم جاء في كتاب "مناظرة بين الإسلام والنصرانية" (ص 272) في الرد على عقيدة الصلب والفداء: قال: وهذه المقولة... غير المعقولة، لا تصلح أساسا للتعامل البشري إذ أنها تنفي (المسؤولية الشخصية)، فكيف ارتضاها الله سبحانه، لكي تكون سنته في التعامل مع البشر؟ وتصوروا معي.. لو أن واحدا من البشر، ذهب إلى المحكمة متلبسا بجريمة قتل.. يده ملوثة بالدم.. وثبتت إدانته من كل وجه.. واعترف بأنه القاتل!! أفيحق له، أو لمحاميه، أن يدافع قائلا: أنا قتلت حقا، وأنا الذي اقتدته إلى ذلك المكان المهجور، وذبحته ولكن (فلانا) من الناس، أو غيره.. يتحمل عني هذه المسؤولية فحاكموه هو.. وحاسبوه هو.. هل هذا يجوز في عرف البشر وفي منطق البشر؟ فإذا كان البشر لا يرضونه لقضاتهم ولا لقضائهم-، مع أن قضاء البشر يحيط به القصور من كل جانب- أفيجوز ذلك أمام عدالة الله سبحانه وتعالى؟ من أراد التوسع في الرد على النصارى في عقيدة الصلب والفداء، فليراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) (2\ 108) تحقيق وتعليق د. علي بن حسن بن ناصر، د. عبد العزيز بن إبراهيم العسكر، د. حمدان بن محمد الحمدان. . |