[س 33]: هناك نص في إنجيل متى الإصحاح (27) فقرة (45، 46) يقول: ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة. ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إيلي إيلي لما شبقتني (أي: إلهي، إلهي لماذا تركتني؟). فهذا نص واضح صريح في تناقض الإنجيل لسببين بينين: الأول: اعترافهم أن عيسى -عليه السلام- قال: إلهي، ولم يقل: أبي. الثاني: كيف يكون أنزل ليصلب من أجل تكفير ذنوب البشر- كما يزعمون- ويصرخ بصوت عال: لماذا تركتني، معترضا على الأمر الذي من أجله أنزل؟ هل هناك تعليق أو إضافة لفضيلتكم- رعاكم الله- على هذا النص الموجود في الإنجيل؟ الجواب: هذا النص كغيره من النصوص في التوراة والإنجيل والقرآن كثيرة واضحة الدلالة على اعتراف عيسى بأن الإله هو الله تعالى، وهو ربه ورب الناس كلهم، فهو مثل قوله في سورة المائدة: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } وقوله في سورة آل عمران: { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } وفي سورة مريم: { وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } وفي سورة الزخرف: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } كما أخبر بأنه مرسل من ربه في قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } ونحو ذلك من الأدلة. ويشهد بذلك العقل والنقل وكتب الله المنزلة على رسله قبل عيسى التي فيها تنزيه الله تعالى عن الصاحبة والولد، وعن الند والشبيه والمثيل، وترد قول النصارى في عيسى وقد أطال علماء هذه الأمة في الرد عليهم، وبيان سخافة عقولهم؛ حيث زعموا أن الرب تعالى تمثل في عيسى وظهر للناس بصورة بشر يأكل ويشرب، ويحتاج إلى التخلي، أو اعتقاد أن عيسى ابن الله تعالى، وأنه مع ذلك قد خذله وسلط عليه أعداءه حتى ضربوه ووضعوا الشوك على رأسه وقتلوه، ثم صلبوه، وقد تخلى عنه أبوه الرب الذي بيده تصريف الكون، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال الإمام ابن القيم في كتابه القيم (هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى) تخريج وتعليق: مصطفى أبو النصر الشلبي صفحة (212)، معلقا على هذا النص الوارد في إنجيل متى، الإصحاح السابع والعشرون (فقرة 45، 46): فكيف يجتمع هذا مع قولكم: إنه هو الذي اختار إسلام نفسه إلى اليهود ليصلبوه ويقتلوه رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا، وأخرج آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس؟ وكيف يجزع إله العالم من ذلك؟ وكيف يسأل السلامة منه، وهو الذي اختاره ورضيه؟ وكيف يشتد صياحه ويقول: (يا إلهي لم أسلمتني) وهو الذي اختاره لنفسه؟ وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه، وإنزال صاعقة على الصليب وأهله؟ أم كان ربه عاجزا مقهورا مع اليهود؟ وقال رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) (3 \ 741) معلقا على النص المذكور في إنجيل متى الإصحاح (27) فقرة (45): عندما صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: إلهي لماذا تركتني؟ قال: وهذا القول الذي صدر عنه في آخر نفس من نفسات الحياة، ينفي ألوهية المسيح رأسا لا سيما على مذهب القائلين بالحلول أو الانقلاب؛ لأنه لو كان إلها لما استغاث إلى إله آخر بأن قال: "إلهى إلهي: لماذا تركتني " ولما قال: "يا أبتاه في يدك أستودع روحي " ولامتنع العجز والموت عليه. . |