قوله: [ الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن، فإن كان بولا أو غائطا نقض مطلقا] لدخوله في النصوص السابقة. [وإن كان غيرهما كالدم والقيء نقض إن فحش في نفسي كل أحد بحبسه] لقوله -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة بنت أبي حبيش { إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة } رواه الترمذي صحيح: أخرجه الترمذي. (1\ 217- 218). . وروى معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- { قاء فتوضأ } فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه. رواه أحمد والترمذي وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب صحيح: أخرجه الترمذي (1\ 143). ولا ينقض اليسير لقول ابن عباس في الدم: { إذا كان فاحشا فعليه الإعادة } أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1\ 172). قال أحمد عدة من الصحابة تكلموا فيه { ابن عمر عصر بثرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ } أخرجه البخاري تعليقا في الوضوء (1\ 280)، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1\145). وابن أبي أوفى { عصر دملا } أخرجه البخاري تعليقا في الوضوء (1\ 280) بلفظ (وبزق ابن أبي أوفى دما، فمضى في صلاته) وصحح إسناده الحافظ في الفتح (1\338). وذكر غيرهم ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعا. قال في "الكافي" والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا، قال أحمد هما أخف على حكما من الدم. الشرح: البول والغائط إذا خرجا من غير موضعهما المعتاد فإنهما ينقضان الوضوء سواء كان خروجهما قليلا أم كثيرا، كما لو خرج البول من فوق العانة، أو من السرة، فإنه ناقض بكل حال، وهكذا الغائط مثله، فهما ناقضان مطلقا، وإن كان خروجهما من غير المحل نادر الوقوع. وأما الخارج من غير السبيلين وليس بولا أو غائطا فكالقيء، والدم، والصديد، وما أشبه ذلك، فهذا الخارج إما أن يكون قليلا أو كثيرا، فإن كان قليلا كملء الفم من القيء، أو نقطة أو نقطتين من صديد، أو من دم، فإنه لا ينقض، لقصة ابن عمر أنه عصر بثرة، ثم خرج وصلى، ولم يتوضأ، وقد فعل ذلك ابن أبي أوفى فإن كان الخارج كثيرا فالمختار أنه ناقض، وهو قول كثير من العلماء انظر: "الأوسط" لابن المنذر (1\ 171). لحديث أبي الدرداء و ثوبان أنه -صلى الله عليه وسلم- قاء فتوضأ، وهذا الحديث مشهور بلفظ: { قاء فأفطر } فكأنه -صلى الله عليه وسلم- وجد تأثرا من بطنه وهو صائم فاستقاء، فأفطر؛ لأنه استدعى القيء. وأما الوضوء في قوله: { قاء فتوضأ } فقد ذكره بعض الرواة، ولم يذكره بعضهم بل اقتصروا على لفظ: { قاء فأفطر } لكن قول ثوبان { أنا صببت له وضوءه } مروي عندهم جميعا، وهو دليل على أنه -صلى الله عليه وسلم- توضأ بعد أن قاء، وأفطر، ففيه دليل على أن القيء من نواقض الوضوء، ويلحق به سائر النجس الخارج من البدن، ومن جملته الدم، فإنه ناقض إذا فحش؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بغسل دم الحيض، فيقاس عليه ويلحق به سائر الدماء. ولكن: لا ينقض الدم إذا كان من خدث دائم، فقد صلى عمر - رضي الله عنة- وجرحه يثعب دما أخرجه مالك (1\ 62)، وعبد الرزاق (578- 581)، والدارقطني (1\ 224)، والبيهقي (1\ 357)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1\ 295) (رجاله رجال الصحيح). فهو معذور لأنه لا يقدر على إمساكه وإيقافه، ولو ترك الصلاة حتى يتوقف الدم لربما مضت عليه عدة صلوات وهو لم يتوقف، فلأجل ذلك صلى وجرحه يثعب دما. ومثله الصحابي الذي رمي وهو يصلي فاستمر في صلاته، ونبه صاحبه بعد أن سالت دماؤه أخرجه البخاري تعليقا (1\ 336 فتح)، وقال الحافظ (أخرجه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، كلهم من طريق ابن إسحاق). فهو لم يقطع الصلاة لعدم قدرته على إيقاف الدم، فهو يلحق بمن عذره وحدثه دائمان. فالحاصل أن الدم إذا كان فاحشا فإنك ينقض الوضوء، بشرط أن لا يكون حدثا مستمرا، ومما يدل على نقضه للوضوء قوله -صلى الله عليه وسلم- في الذي يحدث في الصلاة { إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ولينصرف } أخرجه أبو داود (1114)، والحاكم (1\ 184)، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. ففيه دليل على أن الرعاف ناقضت للوضوء، والرعاف دم كما هو معلوم. |