قوله: [ الخامس لمس بشرة لذكر لأنثى، أو الأنثى لذكر، لشهوة من غير حائل، ولو كان الملموس ميتة أو عجوزا أو محرما] لقوله تعالى: { أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ } رواه عبد الرزاق (499، 500)، وابن أبي شيبة (1\ 45). وقرئ (أو لمستم) قال ابن مسعود { القبلة من اللمس وفيها الوضوء } رواه أبو داود (4)، فإن لمسها من وراء حائل، لم ينقض في قول أكثر أهل العلم، وسئل أحمد عن المرأة إذا مست زوجها. قال: ما سمعت فيه شيئا، ولكن هي شقيقة الرجال، أحب إلي أن تتوضأ. قاله في "الشرح" "الشرح الكبير" (1\ 89). . الشرح: ذهب الشافعية في هذه المسألة إلى أن مجرد لمس المرأة ينقض الوضوء سواء كان لشهوة أم لغير شهوة، وذلك لإطلاق الآية، على قراءة ( أو لمستم النساء )، وكذلك قرأها بعض السبعة في سورة النساء تفسير ابن كثير (1\ 514). . ففي هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: أن لمس النساء لا ينقض الوضوء، لشهوة كان أم لغير شهوة، قالوا: لأن المراد باللمس في الآية هو الوطء كما فسره ابن عباس وغيره انظر: "المجموع" للنووي (2\ 23). قالوا: إن الله كريم يكني، وإنما كنى عن الجماع باللمس لأنه بمعناه، أو من لوازمه، فقالوا: لا ينقض لمس المرأة لا لشهوة ولا لغيرها إلا إذا حصل إنزال، أو وطء. واستدل هؤلاء بأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقبل إحدى نسائه ثم لا يتوضأ، قالت عائشة { قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى نسائه ثم صلى ولم يتوضأ } رواه أحمد (6\ 210)، وأبو داود (رقم 179)، والترمذي (رقم 86) وابن ماجه (رقم 502. والغالب أن القبلة تكون بشهوة، سيما مع الزوجة، فقالوا: هذا دليل على أن اللمس لا ينقض ولو بشهوة. القول الثاني: أن مجرد اللمس ينقض الوضوء، كما هو قول الشافعية، لشهوة كان أم لغير شهوة، وسواء كانت المرأة محرما أو زوجة، أو أمة، أو أجنبية، فمجرد اللمس ينقض الوضوء، ولكن لا بد أن يكون اللمس بتلاقي البشرتين بدون حائل، ولو بالمصافحة. وهذا الرأي فيه تشديد؛ لأن الإنسان كثيرا ما يصافح أقاربه من النساء اللاتي تحل مصافحتهن، فلو كان هذا موجبا للوضوء لاشتهر وانتشر لأنه مما تعم به البلوى، فهو رأي فيه صعوبة ومشقة. القول الثالث: أن اللمس لا ينقض إلا إذا كان لشهوة، وحملت عليه هذه الآية. فأما حديث عائشة فهو محمول على أنه لم يكن لشهوة، أو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من غيره أي أملك لنفسه عن الوقوع في الشهوة. انظر: "المصباح المنير" (ص 11). . وهذا الرأي هو الذي مشى عليه المؤلف، وهو مذهب مالك -رحمه الله- كما في "شرح الزرقاني لموطأ مالك" (1\ 89). وهو الذي تطمئن إليه النفس، وهو أنه إذا لمس امرأته بشهوة انتقض وضوءه، ويعيد الوضوء؛ لأن الوضوء يخفف الشهوة. ثم إنهم خصوا انتقاض الوضوء باللامس لا بالملموس، فالملموس لا ينتقض وضوءه، ولو وجد شهوة، سواء كان رجلا أم امرأة، وكأنهم أخذوا هذا من قوله تعالى { أَوْ لَامَسْتُمُ } . ولعل الأقرب أن انتقاض الوضوء خاص بالمتعمد لقوله: { أَوْ لَامَسْتُمُ } أي تعمدتم، أو قصدتم اللمس، فأما إن كان لغير قصد فلعله لا ينتقض وضوءه؛ لأن هذا مما يبتلى به كثيرا، لا سيما في أماكن الزحام كالمطاف والمسعى، فلو انتقض وضوء الرجل بمجرد اللمس دون قصد لكان في هذا مشقة عليه، حيث سيعيد وضوءه بين الحين والآخر، ويا هذا ما فيه من انقطاع الموالاة أثناء الطواف، ونحوه. |