قوله: [السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئا] لحديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- { أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل } رواه مسلم أخرجه مسلم (1\ 189). . [فلا نقض ببقية أجزائها، ككبد، وقلب، وطحال، وكرشي، وشحم، وكلية، ولسان، ورأس، وسنام، وكوارع، ومصران، ومرقي لحم، ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحما] لأنه ليس بلحم، وعنه ينقض؛ لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم الخنزير قاله في "الشرق" "الشرح الكبير" (1\ 92). . الشرح: النقض بلحم الإبل ورد فيه حديثان صحيحان: حديث جابر وحديث البراء فلا مجال لأحد في ترك العمل بهما، فقد صححهما جمع من الأئمة، ورواهما أهل الصحيح، وقد قال بهذا الحكم- وهو نقض الوضوء بأكل لحم الإبل - الإمام أحمد انظر: "المحرر" (1\ 13)، و"المغني" (1\ 121)، و"شرح الزركشي" (1\257). . أما الشافعية فقالوا بأن هذين الحديثين كانا في أول الأمر، وذلك عندما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء من ما مست النار، أي من كل شيء قد طبخ بالنار، ثم كان أخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء من ما مست النار انظر حجج الشافعية في "تهذيب السنن والآثار" للبيهقي (1\ 444- 455). وقد ثبتت أحاديث كثيرة تبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من كتف شاة ولم يتوضأ أخرجه البخاري (1\ 268)، ومسلم (رقم 354). فدل هذا على أن الأمر بالوضوء من ما مست النار منسوخ، مع أن الأحاديث فيه كثيرة عن الصحابة. قالت الشافعية: فهذان الحديثان- حديث جابر و البراء - منسوخان أيضا؛ لأن لحم الإبل كغيره مما مست النار، فهو لا ينقض الوضوء. لكن الإمام أحمد بين أن هذا الحديث فيه التفريق بين لحم الإبل ولحم الغنم، وكلاهما قد موته النار، فلو كانت العلة هي مسن النار لما فرق بين الإبل والغنم، والعادة أن لحم الإبل يطبخ كما يطبخ لحم الغنم، فكيف خص هذا دون هذا؟ فالعلة إذن هي كونه من الإبل لا كونه مطبوخا؛ ولهذا قال المؤلف بأنه ينقض ولو أكله الإنسان نيئا، أي غير مطبوخ، ولم تمسه النار. فالصحيح إذن أن لحم الإبل خاصة ينقض الوضوء دون سائر ما مسته النار، كلحم الغنم، ولحم البقر، والصيد، وغيره. وقد اختلفوا في علة ذلك: فقيل بأنها لقوة التغذية فيه قال ابن القيم في "زاد المعاد" (4\ 376) (وفيه- أي لحم الإبل- قوة غير محمودة، لأجلها أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء من أكله في حديثين صحيحين لا معارض لهما). ولكن هذه العلة ليست بكافية. وقيل: لأن الإبل تورث الخيلاء، والافتخار، وقد ورد في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، وإن السكينة في أهل الغنم } متفق عليه. فدل هذا على أن الإبل تورث الخيلاء، والكبرياء، والافتخار، فلذلك أمر بالوضوء من أكل لحمها، كما نهي عن الصلاة في مباركها دون مبارك الغنم، مع كون الجميع طاهرا. وقد ورد في عدة أحاديث أن على ذروة كل بعير شيطان رواه أحمد (4\221)، وابن خزيمة (1377) بلفظ: "ما من بعير إلا وفي ذروته شيطان". ورواه الدارمي (2\ 285)، الطبراني في الكبير (2994) بلفظ "على ذروة كل بعير شيطان، فإذا ركبتموها فسموا الله". وأنها جن خلقت من جن روى أحمد (4\ 85، 86 و 5\ 54) وغيره حديثا في مواضع الصلاة، فيه: ".. ولا نصلي لا أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين". . بقي بحث آخر: وهو: هل النقض خاص بلحم الإبل دون غيره من أجزائها مما ليس بلحم، أم أنه عام في ذلك كله؟ اختار الفقهاء أن النقض خاصة باللحم الأحمر فقط، كلحم الفخذين، والظهر، وما أشبهه، أما بقية أجزائها كاللسان، والأمعاء، والمشافر، ونحوها، فإنها لا تنقض الوضوء، وهكذا الكرش، والكبد، والقلب، والرئة، والطحال، والسنام؛ لأن هذا كله ليس بلحم. والقائلون بهذا تمسكوا بالظاهر من كلمة (لحم) فقصروا النقض على ما يسمى لحما، ولكن هذا التمسك قصور منهم، وذلك لأن اللحم يطلق على جميع الأجزاء، ولعل هذا هو الراجح، وهو أن جميع أجزاء الإبل التي تؤكل تنقض الوضوء، ولو شحما. أما الذي يشرب ولا يؤكل، كالمرق، والدهن، فإنه لا ينقض. وهذا كالخنزير، فإن الأمة متفقة على أن جميع أجزائه نجسة، وأنه حرام، حتى جلده، وروثه، وجميع ما ينفصل عنه، ولم يقولوا بأن شحمه، أو كبده حلالا لأن النص كان على اللحم. فلما كان النص عاما لأجزاء الخنزير فكذلك لحم الإبل يعم جميع ما يؤكل من أجزائه قال شيخ الإسلام في "شرح العمدة" (ص 338) (.. إن إطلاق اللحم في الحيوان يدخل فيه بيع أجزائه، وإنما يذكر للحم خاصة لأنه أغلب الأجزاء، ولهذا . |