قوله: [8- أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق، له غبار يعلق باليد] للآية. قال ابن عباس { الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر } وقال تعالى: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } ومالا غبار له لا يمسح بشيء منه. وقال الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وإن ضرب يده على لبد، أو شعر، ونحوه. فعلق به غبار جاز، نص عليه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- { ضرب بيده الحائط ومسح وجهه ويديه } سبق تخريجه . الشرح: هذا هو الشرط الثامن من شروط التيمم وهو أن يتيمم بتراب طهور مباح غير محترق له غبار يعلق باليد ). فقوله (بتراب) التراب معروف، وهو أغلب ما على وجه الأرض، فيخرج به الحجارة، والرمل، وما أشبهها، ودليل هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- { وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } متفق عليه وفي رواية { وجعلت تربتها لنا طهورا } رواه مسلم كما في الشرح (5\ 4)، وابن خزيمة (264)، والدارقطني (1\ 175) وغيرهم . فهذه الرواية تخصص الرواية الأولى؛ لأن الأرض كلمة عامة والتراب خاص، فيقيد العام بالخاص. وقال بعضهم: إن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق حكم العام لا يقتضي تخصيصه، فإذا قلت مثلا: أكرم الرجال، فهذا عام، فإذا قلت: أكرم زيدا وهو من الرجال، فهذا لا يخصص العام؛ لأنك ذكرت زيدا بحكم يوافق العام، لكن لو قلت: لا تكرم زيدا، فهذا خصيص؛ لأنك ذكرته بحكم لا يوافق حكم العام، وهو (الإكرام). فالصواب في هذه المسألة أن التيمم لا يختص بالتراب، بل يجوز كل ما تصاعد على وجه الأرض، لقوله تعالى: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا } والصعيد هو كل ما تصاعد على وجه الأرض، والله سبحانه وتعالى يعلم أن الناس في أسفارهم يطرقون الأراضي الرملية، والحجرية، والترابية فلم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، ومما يشهد لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم- { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل } هو رواية للحديث السابق وفي رواية { فعنده مسجده وطهوره } رواه البيهقي (1\ 222)، وأحمد (5\248) بنحوه ، ورجاله ثقات ،عن أبي أمامة- رضي الله عنه- (ج) فهذا يبين أن المسلم في أي موضع كان فعنده مسجده وطهوره، وقال ابن القيم - رحمه الله- عن الحديث السابق (هذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور، ولما سافر- أي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة، ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب، وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل- والله أعلم- وهذا قول الجمهور) "زاد المعاد" (1\ 200) . وأما قول المؤلف (طهور) فيخرج التراب المتلوث بالنجاسة كالبول، أو العذرة، ونحوها، لقوله تعالى: { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } والطيب النجس. وقوله (مباح) أي غير مسروق ولا مغصوب، فإنه لا يصح التيمم بهما، وهذه المسألة مبنية على مسألة الوضوء بالماء المسروق أو المغصوب، وقد علمنا أن الراجح فيها أن الوضوء بالمغصوب أو المسروق يرفع الحدث ولكن المستعمل للماء آثم لأجل سرقته أو غصبه، وهكذا يقال في مسألة التيمم بالتراب المسروق أو المغصوب. وقوله (غير محترق) يخرج ما كان محترقا: كالرماد، والجص، والنورة، والخزف، والأسمنت، وما أشبهها، فلا يجوز التيمم بها؛ لأنه لا يصدق عليها أنها تراب طيب، والنورة نوع من الحجارة يحرق ثم يسحق، والجص نوع من الأتربة أبيض يحرق ويسحق، وتطلى به الجدران- كما هو معلوم-. وقوله ( له غبار) يخرج ما ليس له غبار، فلا يجوز التيمم به، كالتراب الرطب مثلا، لقوله تعالى: { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } و (من) في الآية للتبعيض، ولا تتحقق البعضية إلا بغبار يعلق باليد، ويمسح به الوجه واليدان، ولو بحبات قليلة منه ليصدق أنه مسح منه. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا ليس بشرط، بل يصح أن يتيمم بما ليس له غبار، لعموم قوله: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ولأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يسافر في الأرض الرملية التي أصابها المطر ولم ينقل عنه أنه ترك التيمم، و (من) في الآية ليست تبعيضية بل هي لابتداء الغاية، كقولك: سرت من مكة إلى المدينة ومما يشهد لهذا أن آية التيمم في سورة النساء ليس فيها (من)، وهي قوله: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } وآية النساء سابقة لآية المائدة بسنوات. ومما يشهد لهذا أيضا أن في حديث عمار - رضي الله عنه- في التيمم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ضرب بيديه الأرض نفخ فيهما كما في صحيح البخاري برقم 338 وغيره ومن المعلوم أن النفخ يزيل الغبار وأثر التراب، واعتذر من اشترط الغبار بأن النفخ لا يزيل الغبار جميعا سيما إذا كان كثيرا فقد يكون كثيرا، فيخففه خشية أن يدخل في خياشيمه. |