قوله: [واللبث بوضوء في المسجد] قياسا على الجنب. الشرح: قد مر معنا أنه لا يجوز للحائض أن تلبث في المسجد وأنه يجوز لها أن تمر فيه إذا أمنت من تلويثه، ومما يجوز لها أيضا كما بين المصنف أن تلبث في المسجد إذا هي توضأت، وذلك قياسا على الجنب، فالجنب كما هو معلوم لا يجوز له أن يلبث في المسجد لقوله تعالى: { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } ولحديث { لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } سبق تخريجه. ولأن المسجد منزل الملائكة لما فيه من الذكر، والملائكة كما جاء في الخبر لا تدخل بيتا فيه كلب ولا جنب ولا صورة أخرجه أبو داود (رقم 227) بلفظ "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب" ، وأصل الحديث في الصحيحين دون ذكر الجنب. ففي لبث الجنب في المسجد إيذاء للملائكة، فأما المرور فيجوز للآية السابقة { وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } ولقول زيد بن أسلم { كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشون في المسجد وهم جنب } أخرجه ابن أبي شيبة (1\ 146). . فأما إذا توضأ الجنب فقد جاز له أن يلبث بالمسجد للآثار التي وردت عن الصحابة وأنهم كانوا يتوضئون وهم مجنبون فيجلسون في المسجد، قال عطاء { رأيت رجالا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤا وضوء الصلاة } أخرجه سعيد في "سننه" كما في "نيل الأوطار" (1\ 229)، و"شرح العمدة" لشيخ الإسلام (ص 391). وذلك لأن الوضوء يرفع الحدثين من أعضاء الوضوء، ويرفع حكم الحدث الأصغر عن سائر البدن فيخفف الحدث الأكبر، ولهذا أمر الجنب إذا أراد النوم أو الأكل بأن يتوضأ؛ لأن الوضوء يخفف من حدثه رواه مسلم (205). ومما يبين هذا أنه قد جاء النهي عن نوم الجنب قبل أن يتوضأ لئلا يموت فلا تشهد الملائكة جنازته روى أبو داود (رقم 4180) من حديث عمار مرفوعا "ثلاثة لا تقربهم الملائكة- وذكر منهم- الجنب إلا أن يتوضأ". فهذا يدل على أنه إذا توضأ شهدت الملائكة جنازته ودخلت المكان الذي هو فيه، فجاز له حينئذ أن يدخل المسجد بلا محذور . فالحاصل أنه يجوز للجنب أن يلبث في المسجد بعد أن يتوضأ إذا احتاج لذلك لحضور درس، أو موعظة، أو نحو ذلك، فإن اغتسل فهو أفضل، وقياسا عليه يقال في الحائض أنه يجوز لها اللبث في المسجد إذا هي توضأت إذا احتاجت لذلك وأمنت تلويثه. |