وطء المستحاضة

قوله: [ويحرم وطء المستحاضة ] لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض . [ولا كفارة] لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه. وعنه يباح. وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث حمنة وأم حبيبة. قاله في الشرح "الشرح الكبير" (1\ 182). . الشرح: اختلفت أقوال العلماء في وطء المستحاضة انظر هذه الأقوال في: "الأوسط" لابن المنذر (2\ 215)، "شرح السنة" للبغوي (2\146). . فقال بعضهم: يحرم. وقال بعضهم: يكره. وقال بعضهم: يباح عند الضرورة وهذا هو المشهور من المذهب، كما في "المحرر" (1\27) و"المغني" (1\205 ). . وقال آخرون: يباح مطلقا بلا كراهة. واستدل من قال بأنه يحرم بقوله تعالى: { قُلْ هُوَ أَذًى } ودم الحيض ودم الاستحاضة يشتركان في كون كل منهما أذى، فهما يجمعان بين القذارة والنجاسة. والذين اختاروا الكراهة قالوا: حيث أنه مشترك مع دم الحيض في كونه دما فقد حصل الفرق، والفرق بينهما أن دم الاستحاضة تصلي المرأة فيه، وأما دم الحيض فلا تصلي فيه، وما دام أنه قد خفف عنها في هذا، وأمرت بالعبادات، فإن الوطء فيه أخف، فيكون مكروها لا حراما. أما الذين قالوا بأنه يباح عند خوف العنت- أي الزنا- فذكروا أن الزوج قد تزوج لإحصان فرجه، فإن اجتمعت عليه أشهر متتابعة تستحيض فيها زوجته تضرر بذلك، ولم تحصل الحكمة التي شرع لأجلها الزواج، وهي إحصان الفرج، وغض البصر، فإذا هو يباح عند خوف الفتنة. وأما الذين قالوا بأنه يباح مطلقا فاستدلوا بأن الأصل في الزوجة الإباحة إلا إذا وجد نص يمنع، وحيث أن دم الاستحاضة لا تمتنع فيه المرأة من الصلاة فهو إذن ليس مثل دم الحيض الذي تحرم فيه العبادات ونحوها. واستدلوا أيضا بأن أم حبيبة كانت تحت طلحة و حمنة كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ولم ينقل أن أحدا منهم توقف عن وطء زوجته؛ لأن الأصل في الزوجة أنها تكون محلا للاستمتاع من قبل زوجها. ولعل الأقرب من هذه الأقوال أنه مباح عند الضرورة والحاجة، وإذا قدر على إمساك نفسه أو التوقف إلى أن يخف الدم أو يقل- إذا كان هناك عادة يقل فيها- فهو الأفضل. وقوله (ولا كفارة) يعني في وطء المستحاضة، لعدم الدليل؛ لأن الدليل الذي تقدم هو في الحيض، فلا تقاس عليه الاستحاضة للفارق، فإن هذا حيض، وهذه استحاضة. وقد روي عن الإمام أحمد أنه يباح -أي وطء المستحاضة- بلا كراهية وهي الرواية الأخرى عنه رحمه الله- كما في الإنصاف (1\ 382). وقد بين ابن القيم- رحمه الله- في "إعلام الموقعين" (2\ 134) الحكمة من إباحة وطء المستحاضة، وتحريم وطء الحائض. وقال في نهايته (فمن كمال الشريعة تفريقها بين الدمين في الحكم، كما افترقا في الحقيقة). واستدل بحديث حمنة و أم حبيبة في كونهما كانتا زوجتين لاثنين من مشهوري الصحابة، وقد ولدت كل منهما له أولادا، فلم ينقل أنه توقف عن وطئها مدة استحاضتها، فدل هذا على أنه يباح بلا كراهة- كما سبق-. والناس يختلفون في هذا، فبعضهم يستطيع أن يصبر عن الوطء الشهر ونحوه، وبعضهم لا يستطيع أن يصبر اليومين أو الأسبوع ونحوه. فالحاصل أنه يباح وطء المستحاضة عند الحاجة- كما تقدم بيانه-.