باب الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة يستحب إذا دخل الخلاء: أن يقدم رجله اليسرى ويقول: بسم الله جاءت مشروعية التسمية عند دخول الخلاء في حديث علي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله" . أخرجه الترمذي برقم (656) في الصلاة. وابن ماجه برقم (297) في الطهارة. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي. وصححه أحمد شاكر في سنن الترمذي (2 / 504،505)، وصححه الألباني في الإرواء (1 / 88، 89) برقم (50). وفي تمام المنة (58). ويشهد له حديث أنس بلفظ: " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله " . أورده الهيثمي في المجمع (1 / 205). وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما فيه سعيد بن مسلمة الأموي. ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان وابن عدي. وبقية رجاله موثوقون. وانظر تمام المنة للعلامة الألباني (ص 56-58). ويشهد له أيضا حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" . رواه بهذا اللفظ سعيد بن منصور في سننه، وأورده مجد الدين بن تيمية في المنتقى، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1 / 1)، ورواه ابن أبي حاتم في العلل (1 / 64) كما قال الألباني رحمه الله في تمام المنة (ص 56-58) وضعفه بهذا اللفظ. اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) رواه البخاري برقم (142) في الوضوء. ومسلم برقم (375) في الحيض. عن أنس رضي الله عنه. . وإذا خرج منه: قدم اليمنى، وقال: غفرانك أخرجه أبو داود رقم (30) في الطهارة. والترمذي رقم (7) في الطهارة. وابن ماجه رقم (300). في الطهارة. والدارمي رقم (680). وأحمد (6 / 155). والبيهقي (1 / 97). والحاكم (1 / 158). وابن حبان (1444) عن عائشة رضي الله عنها. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان. الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني أخرجه ابن ماجه رقم (301) في الطهارة. عن أنس رضي الله عنه. قال البوصيري في الزوائد: إسماعيل بن مسلم مجمع على تضعيفه، والحديث بهذا اللفظ غير ثابت. وفي المجموع للنووي (2 / 79): إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في الإرواء (1 / 92). . يعتمد في جلوسه على رجله اليسرى، وينصب اليمنى. ويستتر بحائط أو غيره، ويبعد إن كان في الفضاء. ولا يحل له أن يقضي حاجته في: طريق، أو محل جلوس الناس، أو تحت الأشجار المثمرة ، أو في محل يؤذي به الناس. ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء حاجته لقوله -صلى الله عليه وسلم- { إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا } متفق عليه رواه البخاري رقم (144) في الوضوء، ومسلم رقم (262) في الطهارة. عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. . فإذا قضى حاجته: استجمر بثلاثة أحجار ونحوها ، تنقي المحل، ثم استنجى بالماء، ويكفي الاقتصار على أحدهما. ولا يستجمر بالروث والعظام ، كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري رقم (155) في الوضوء. عن أبي هريرة رضي الله عنه. ومسلم رقم (262) في الطهارة. عن سلمان رضي الله عنه. وبرقم (263). عن جابر رضي الله عنه. وكذلك كل ما له حرمة. [باب: الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة] تكلم المؤلف رحمه الله في هذا الباب عن آداب قضاء الحاجة ؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، وتكلم فيه أيضا على تطهير محل النجاسة، وهو ما يسمى بالاستنجاء، وتكلم فيه أيضا على تطهير النجاسات كلها، فذكر النجاسات وذكر كيفية تطهيرها. وقد توسع الفقهاء رحمهم الله في هذا الباب، وفي هذه الآداب، وألحقوا بها خصال الفطرة التي حث عليها الشرع في قوله -صلى الله عليه وسلم- { الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط } رواه البخاري وقم (5889) في اللباس، ومسلم رقم (257) في الطهارة. عن أبي هريرة رضي الله عنه. . وكذلك تكلموا فيه على الترجل والادهان وغيره، ولكن المؤلف رحمه الله ترك ذلك اختصارا. قوله: (يستحب إذا دخل الخلاء، أن يقدم رجله اليسرى ويقول: بسم الله، اللهم إلي أعوذ بك من الخبث والخبائث): لأن اليسرى تقدم للأشياء المستقذرة أو المفضولة، ولا شك أن أماكن قضاء الحاجة كدورات المياه وغيرها مستقذرة، فيقدم لها رجله اليسرى، وإذا خرج قدم اليمنى، بخلاف المسجد، فإنه يقدم اليمنى دخولا، ويقدم اليسرى خروجا. ثم يدعو بقوله. (بسم الله)، وقد ذكرت التسمية في حديث سيأتي تخريجه في صفحة 63 في الهامش التالي. وذكر العلة أن التسمية تكون حاجزة بينكم وبين الشياطين، وفي بعض الأحاديث: { أن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم } أخرجه أبو داود رقم (35) في الطهارة. وابن ماجه رقم (337) في الطهارة. والدارمي رقم (662). وأحمد في المسند (2 / 371)- عن أبي هريرة رضي الله عنه. وحسن إسناده الحافظ في الفتح (1 / 309). وقال أحمد شاكر رقم (8825): إسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود رقم (9). وفي ضعيف سنن ابن ماجة رقم (173). وضعفه أيضا في ضعيف الجامع (5 / 175). وفي حديث آخر: { ستر ما بيننا وبين الشياطين: ذكر اسم الله } انظر الهامش رقم (1) من هذه الصفحة. فإذا ذكر اسم الله عند الدخول كان ذلك حاجزا له من هذه الشياطين: شياطين الجن، وشياطين الأبالسة. ثم يقول: { اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث } وقد ورد تفسير الخبث أنهم هم: الذكران، والخبائث هم: الإناث، فيستعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم، وقرأها بعضهم بإسكان الباء الخُبْث، وقال: المراد بالخبث: الشر، والخبائث: الأشرار؛ سواء من الجن أو الإنس. قوله: (وإذا خرج منه قدم اليمنى، وقال: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني): قالوا مناسبة ذكر المغفرة: أن الإنسان حين يدخل وهو مستثقل بهذا الأذى، فلما خرج وقد خف تذكر ثقل الذنوب، فقال: "غفرانك" أي: يا رب خفف عني الذنوب، كما خففت ذلك الأذى. وقيل: إن مناسبة طلب المغفرة التقصير في شكر هذه النعمة، فالله أنعم عليه بالطعام الحلال الطيب، ثم أنعم عليه بإخراجه وإزالته والتخلص منه بسهولة وعدم أذى؛ ولهذا حمد الله بقوله: { الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني } . أي من علي ولم ألق بؤسا ولا ضررا، لا في الأكل ولا في التخلي. قوله: (ويعتمد في جلوسه على رجله اليسرى وينصب اليمنى... إلخ): والسبب في اعتماده على رجله اليسرى في الجلوس ونصب اليمنى: قيل: أنه لتكريم الرجل اليمنى، وقيل: إنه أسهل للخروج، وقد ورد ذلك في حديث وإن كان فيه مقال لحديث سراقة بن مالك رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلاء: " أن نقعد على اليسرى وننصب اليمنى " . أخرجه البيهقي (1 / 96). والطبراني (7 / 160) رقم (6605). وأورده الهيثمي في المجمع (1 / 206) وقال: " فيه رجل لم يسم " . وضعفه ابن حجر في بلوغ المرام ص 350. وضعفه أيضا في التلخيص (1 / 107). وضعفه النووي في المجموع (2 / 92). لكن من باب الأفضلية لا الوجوب. قوله: (ويستتر بحائط أو غيره، ويبعد إن كان في الفضاء): أما الاستتار فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذهب للخلاء أبعد لحديث المغيرة بن شعبة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذهب المذهب أبعد). رواه أبو داود برقم (1). ورواه عنه الترمذي بردم (20). والنسائي برقم (17)، وابن ماجه برقم (33) بلفظ: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتى النبي حاجته فأبعد في المذهب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقوله: "وذهب المذهب"،: أي: ذهب ذهابا خاصا لقضاء الحاجة. وأنه كان يستتر، فكان يحب -صلى الله عليه وسلم- أن يستتر بجنب حائط أو شجرة أو صخرة أو نحوها لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: " أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجته هدف أو حائش نخل " . أخرجه مسلم رقم (342) في الحيض. وقوله: "حائش نخل": يعني: حائط نخل. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: " ومن أتى الغائط فليستتر " ،. رواه أبو داود رقم (35). وابن ماجه رقم (337). والدارمي (1 / 169). وأحمد (2 / 371). والحاكم (1 / 158). وابن حبان رقم (132). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان. وانظر: تخريجه ص 63 الهامش رقم (3). والأحاديث في الباب كثيرة. حتى أنه مرة لم يجد إلا شجرتين متفرقتين، فأمره الله أن يدني إحداهما إلى الأخرى فقربتا حتى صارتا كشجرة واحدة وسترته أخرجه أحمد في المسند رقم (4 / 171)، وابن ماجه في الطهارة وسننها رقم (339). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. مما يدل على أنه يحرص على الاستتار إذا جلس إلى قضاء الحاجة ؛ وذلك لأنه على حالة مستقذرة فيندب أن يستر نفسه عن أعين الناظرين، وإذا كان في فضاء فإنه يبعد عن الناس حتى لا يؤذيهم بما يخرج منه. قوله: (ولا يحل له أن يقضي حاجته في طريق... إلخ): ذكر المؤلف -رحمه الله- الأماكن التي يجتنب فيها قضاء الحاجة ، فمن ذلك: 1- الطريق؛ لأن الناس يسلكون هذا الطريق، فيتأذون بهذا القذر. 2- محل الجلوس الذي يجلس فيه الناس إذا كان في ظل حائط أو ظل شجرة، فإنهم يتأذون إذا تغوط فيه. 3- تحت الشجرة التي عليها ثمر؛ ربما يتساقط الثمر على هذا النتن فيقذرها. 4- في أي مكان يتأذى الناس به. قوله: (ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة لقوله صلى الله عليه وسلم... إلخ): استقبال القبلة واستدبارها ورد فيه أحاديث كثيرة، وقد صحح شيخ الإسلام أنه لا يجوز استقبالها ولا استدبارها مطلقا، وتبعه ابن سعدي هنا فقال: (لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها حال قضاء الحاجة) ولم يقل: إلا في البنيان، بل أطلق، فدل على أن هذا اختياره؛ ولأنه اختيار شيخ الإسلام، والأحاديث التي فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استقبل القبلة أو استدبرها محمولة على العذر أو محمولة على الخصوصية. واستدلوا بالنهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة بهذا الحديث، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- { إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا } . فهنا واضح أن الحكم عام، وأنه لا يجوز لأحد أن يستقبل القبلة في أي مكان، سواء كان فضاء أو بنيانا، وهذا هو القول الصحيح. وعليه فإذا دخلت الأماكن المبنية -كهذه الدورات- ووجدتها قد وجهت للقبلة فإنك تنحرف قليلا إما يمينا أو يسارا، ولو كنا داخل البيوت، ففي تمام حديث أبي أيوب هذا، يقول أبو أيوب " فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله عز وجل " . قوله: (فإذا قضى حاجته استجمر بثلاثة أحجار ونحوها تنقي الحل... إلخ): الاستجمار : هو مسح أثر الخارج (البول والغائط) بالأحجار ونحوها، وسمي استجمارا اشتقاقا من الجمرات وهي الحصيات الصغيرة؛ لأن الغالب عليها أنها تكون كجمر النار في صغرها، ويستجمر، أي: يأخذ ثلاثة أحجار ويمسح أثر الخارج من القبل أو الدبر. وقوله: (ونحوها) يدل على أنه يجوز الاستجمار بغير الأحجار أي: بكل شيء ينقي، إلا ما نهي عنه كما سيأتي. والحكمة في الاستجمار أن يذهب جرم النجاسة، أي: ما يلتصق بالبشرة من النجاسة يزيله بهذه الأحجار، يمسح بها الصفحتين والمسربة، وإذا لم ينق بثلاثة زاد حتى ينقي، ويسن ختمه على وتر كما ورد في الحديث: { ومن استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج } جزء من حديث رواه أبو داود رقم (35) في الطهارة. وابن ماجه رقم (337) في الطهارة وسننها عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (1 / 309)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه رقم (73)، وقد تقدم تخريجه ص (67). والأمر بالإيثار قد ورد عند مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا استجمر أحدكم فليوتر " برقم (239) في الطهارة، وكذلك ورد عند النسائي من حديث سلمة بن قيس رضي الله عنه (1 / 41) في الطهارة. وانظر الكلام عليه في التعليق على شرح الزركشي رقم (113). . والاستنجاء بالماء بعدها أفضل فيبدأ بالأحجار ثم بالماء، وذلك لأن الاستجمار يزيل العين، والماء ينظف المحل ويغسل الأثر، ويكفي الاقتصار على أحدهما إذا أنقى، فمثلا إذا حصل الإنقاء بالأحجار وإزالة الأثر كله كفى ذلك، ويكفي أيضا الاقتصار على الماء؛ لأن الماء ينظف، لكن كأن المؤلف يستحب الجمع بينهما لأنه ذكر الاستجمار ثم الاستنجاء، فالجمع أفضل أن يستجمر ثم يستنجي ، فإذا اقتصر على أحدهما فالماء أفضل. قوله: ( ولا يُستجمَر بالروث والعظام ؛ كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم): فقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يستجمر بالعظم والروث، وقال: { إنهما لا يطهران } قال الحافظ في الفتح (1 / 308): أخرجه الدار قطني من حديث أبي هريرة وصححه. وانظره في شرح الزركشي برقم (123). وفي حديث آخر أنه ألقى الروثة، وقال: { هذا ركس } رواه البخاري رقم (156) في الوضوء. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفي حديث آخر قال: { إنهما طعام إخوانكم الجن } رواه الترمذي رقم (18) في الطهارة، والنسائي (1 / 37، 38) في الطهارة، وأبو داود رقم (39) فيه أيضا. وأصله عند مسلم في حديث طويل عن ابن مسعود رقم (450) في الصلاة. وذكره الزركشي برقم (121)، وانظر تخريجه هناك. أي: العظم طعامهم، والروث علف لدوابهم، وبكل حال لا يستنجى بها. وكذلك لا يستنجى بما له حرمة كأوراق المصاحف فهذا حرام، ولا بكتب العلم، ولا بالطعام ككسر الخبز وغيرها؛ لما لها من الحرمة. انتهى ما يتعلق بالاستنجاء والاستجمار. |