س 1: ما حكم صلاة التراويح ؟ وما فضل قيام ليالي رمضان مع الإمام ؟ وما قولكم في حال كثير من الناس ممن ترك هذه الفضيلة العظيمة، وانصرف لتجارة الدنيا، وربما لإضاعة الوقت باللعب والسهر؟ ج 1: صلاة التراويح هي القيام في ليالي رمضان بعد صلاة العشاء، وهي سنة مؤكدة، كما دل على ذلك قول النبي، -صلى الله عليه وسلم- { من قام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } متفق عليه أخرجه البخاري ، في كتاب صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان 1905 من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. ومسلم ، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 759، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. تنبيه: ليعلم القارئ. بأن الإمام مسلما -يرحمه الله- لم يبوب لصحيحه، وإنما اكتفى بجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، في مكان واحد، فجاء كتابه في قوة المبوب. وأما ما يراه القارئ من هذا التبويب، فإنما هو من صنع من جاء بعده من الشراح، وأحسن من بوب لصحيح مسلم، الحافظ النووي في شرحه -يرحمه الله- فليتأمل ذلك؛ انظر: كتاب التعريف بكتب الحديث الستة، للعلامة الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة الأزهري -يرحمه الله- 87، 88. وقيام رمضان شامل للصلاة أول الليل وآخره، فالتراويح من قيام رمضان، وقد وصف الله عباده المؤمنين بقيام الليل، كما قال- تعالى- { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } وقال- تعالى- { كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } ويستحب أن يُصلَّى مع الإمام حتى ينصرف، فقد روى أحمد وأهل السنن بسند صحيح عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- { من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة } جزء من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد 5/159-163. والطيالسي، في باب ما جاء في صلاة التراويح 563. وأبو داود، في كتاب الصلاة، باب في قيام شهر رمضان 1375. والترمذي، في كتاب الصيام، باب ما جاء في قيام شهر رمضان 806 وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي، في كتاب السهو، باب ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف 1364. وابن ماجه، في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان 1327. وابن خزيمة، في صحيحه 3/337. والدارمي في كتاب الصيام، باب في فضل قيام شهر رمضان 1784. وعبد الرزاق في مصنفه 7706 وابن أبي شيبة في مصنفه 2/164. والبغوي في شرح السنة، باب قيام شهر رمضان وفضله 4/ 12. وابن حبان (الإحسان) في كتاب الصلاة، فصل في التراويح 2547. وابن الجارود في كتاب الصيام 403 وابن نصر، في قيام الليل، باب صلاة النبي، صلى الله عليه وسلم، جماعة ليلا تطوعا في شهر رمضان 215. والبيهقي في شعب الإيمان، في باب الصيام، فضل ليلة القدر 3/ 329. وفي الكبرى، كتاب الصلاة، باب قيام شهر رمضان 1/297. كلهم من طرق متعددة عن داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر. والحديث إسناده صحيح بحمد الله. . وكان الإمام أحمد -رضي الله عنه- لا ينصرف إلا مع الإمام عملا بهذا الحديث، ولا شك أن إقامة هذه العبادة في هذا الموسم العظيم تعتبر من شعائر دين الإسلام، ومن أفضل القربات والطاعات، ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما روى عبد الرحمن بن عوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { إن الله -عز وجل- فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه } أخرجه الإمام أحمد 1/ 191- 194، 195 من طريق القاسم بن الفضل عن النضر بن شيبان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، ومن طريق نصر بن علي عن النضر عن أبي سلمة عن أبيه. والطيالسي في كتاب الصيام، باب وجوب شهر رمضان 1/ 181، ووقع في السند سفيان عن علي، بدلا من نصر بن علي، وهذا خطأ، والصواب نصر بن علي الجهضمي. والنسائي، في كتاب الصيام، باب ثواب من قام رمضان وصامه 2210، من طريق نصر بن علي وقال: هذا خطأ، والصواب أبو سلمة عن أبي هريرة، اهـ. وأخرجه من طريق القاسم ابن الفضل. وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام شهر رمضان، 1328 من طريق نصر بن علي والقاسم بن الفضل كلاهما عن النضر بن شيبان. وعبد بن حميد في المنتخب، مسند عبد الرحمن بن عوف، من طريق القاسم بن الفضل 158. والبزار في مسنده 3/256، من طريق القاسم بن الفضل. وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد، من حديث النضر بن شيبان، ورواه عن النضر غير واحد. اهـ. وأبو يعلى في مسند عبد الرحمن بن عوف 1/395 من طريق القاسم بن الفضل ونصر بن علي. وعبد الرزاق في مصنفه 4/ 175، بدون لفظ " وسننت لكم قيامه". وابن أبي شيبة في باب من كان يرى القيام في رمضان 2/165، من طريق علي عن نضر بن شيبان. وأخرجه ابن نصر في قيام الليل، باب الترغيب في قيام رمضان وفضيلته 213. وابن خزيمة في صحيحه من طريق نصر بن علي عن النضر 3/335. وقال أبو بكر: أما خبر من صامه وقامه إلى آخر الخبر، فمشهور من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة، ثابت لا شك ولا ارتياب في ثبوته أول الكلام، وأما الذي يُكره ذكره النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن أبيه، فهذه اللفظة معناها صحيح من كتاب الله -عز وجل- وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، لا بهذا الإسناد، فإني خائف أن يكون هذا الإسناد وهمًا، أخاف أن يكون أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئا، وهذا الخبر لم يَرْوِهِ عن أبي سلمة أحد أعلمه غير النضر بن شيبان. اهـ. وأخرجه ابن شاهين في كتاب فضائل شهر رمضان، باب ما ذكر من فضل من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا ص 50 من طريق القاسم بن الفضل عن النضر عن أبي سلمة. والبيهقي في الشعب باب الصيام، فضائل شهر رمضان 3/357 من طريق أبي عقيل عن النضر بن شيبان، وقال البيهقي: كذا رواه غيره عن النضر بن شيبان، فقال عن أبيه، تفرد هو به. اهـ. وأخرجه -أيضا- من طريق الطيالسي. وأخرجه الخلَّال في الأمالي 35 من طريق أبي نصر التمار عن القاسم بن الفضل عن النضر بن شيبان. قال الحافظ الدارقطني في العلل 4/283: يرويه النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن أبيه، حدَّث به عنه نصر بن علي الجهضمي الأكبر، وأبو عقيل الدورقي بشير بن عقبة، والقاسم بن الفضل الحداني، ورواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ولم يذكر فيه: "وسننت للمسلمين قيامه " . وإنما ذكر فيه: "فضل صيامه". وحديث الزهري أشبه بالصواب. اهـ. وقال الحافظ أبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ 2/119: حدثنا أبو نعيم، حدثنا نصر بن علي الجهضمي وهو ثقة، وقد روى عن النضر بن شيبان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني عبد الرحمن بن عوف، وهذا خطأ لم يسمع أبو سلمة من أبيه شيئا منه. اهـ. وقال يحيى بن معين والبخاري: لم يسمع من أبيه شيئا اهـ جامع التحصيل للعلائي ص 213 رقم 378. وهنالك علة أخرى في هذا الحديث وهي: أن النضر بن شيبان ضعيف. قال عنه ابن أبي خيثمة ، عن ابن معين: ليس حديثه بشيء، وقال البخاري في حديثه هذا: لم يصح وحديث الزهري وغيره عن أبي هريرة أصح. اهـ. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان ممن يخطئ. اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر كما في التهذيب 10/392، قائلا: فإذا كان أخطأ في حديثه وليس له غيره فلا معنى لذكره في الثقات، إلا أن يقال هو في نفسه صادق، وإنما غلط في اسم الصحابي فيتجه، لكن يُردُّ على هذا أن في بعض طرقه عنه، لقيت أبا سلمة فقلت له: حدثني بحديث سمعته من أبيك، وسمعه أبوك من النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سلمة: حدثني أبي، فذكره، وقد جزم جماعة من الأئمة بأن أبا سلمة لم يصح سماعه من أبيه، فتضعيف النضر على هذا متعين. اهـ. قال ابن خراش: لا يعرف إلا بحديث أبي سلمة في رمضان اهـ (يعني النضر) ميزان الاعتدال 5/383، المغني 2/697 للحافظ الذهبي. . فإحياء هذه السنة وإظهارها فيه أجر كبير، ومضاعفة للأعمال، وقد ورد في بعض الآثار: { إن في السماء ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله -عز وجل- فإذا دخل رمضان استأذنوا ربهم أن يحضروا مع أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- صلاة التراويح، فمن مسَّهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا } أخرجه الفقيه أبو الليث السمرقندي في تنبيه الغافلين 1/359 قال: وحدثني أبي بإسناده عن علي بن أبي طالب، أنه قال: إنما أخذ عمر بن الخطاب هذه التراويح من حديث سمعه مني، قالوا: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت رسول الله، -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "إن لله -تعالى- حول العرش موضعا يسمى حضيرة القدس، وهو من النور فيها ملائكة لا يُحصي عددهم إلا الله -تعالى- يعبدون الله -عز وجل- عبادة لا يفترون ساعة، فإذا كان ليالي شهر رمضان استأذنوا ربهم أن ينزلوا إلى الأرض فيصلون مع بني آدم، فينزلون كل ليلة الأرض فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا. فقال عمر عند ذلك: نحن أحق بهذا! فجمع الناس لتراويح ونصبها" ، والإسناد منقطع، وساقط!!!؟ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان موقوفا على علي بن أبي طالب بلفظ مقارب 3/ 337، وفي كتاب فضائل الأوقات 253، 254 للبيهقي -أيضا- موقوفا، والإسناد مليء بالمتروكين، ولا يصح مرفوعا ولا موقوفا. فهذا الأثر إسناده متروك وساقط. وقد ذكره الطبري في الرياض النضرة، وعزاه لكتاب الموافقة لابن السمان، 2/263، 264. وذكره السيوطي في الدر المنثور 8/ 582 وأورده المتقي الهندي في كنز العمال 8/ 410 ورمز بضعفه؟! وتضعيفه لا يكفي، بل هو متروك. . فكيف يفوت المسلم هذا الأجر الكبير، وينصرف عنه لتعاطي حرفة أو تجارة، أو تنمية ثروة من متاع الحياة الدنيا التي لا تساوي كلها عند الله جناح بعوضة، فهؤلاء الذين يزهدون في فعل هذه الصلاة، ويشتغلون بأموالهم وصناعاتهم، لم يشعروا بالتفاوت الكبير بين ما يحصل لهم من كسب أو ربح دنيوي قليل، وما يفوتهم من الحسنات والأجور، والثواب الأخروي، ومضاعفة الأعمال في هذا الشهر الكريم. ولقد أكبَّ الكثير على الأعمال الدنيوية في ليالي رمضان، ورأوا ذلك موسمًا لتنمية التجارة، وإقبال العامة على العمل الدنيوي، فصار تنافسهم في ذلك، وتكاثرهم بالمال والكسب، وتناسَوْا قول بعض السلف: { إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة } لم أعثر عليه مرفوعا ووجدته بلفظ: "إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة". أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا رقم 465 موقوفا. قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب عن الحسن قال: "إذا رأيت الرجل.. " وهذا من مراسيل الحسن -يرحمه الله- وإسناده صحيح. . أما الذين يسمرون هذه الليالي على اللهو واللعب فهم أخسر صفقة، وأضل سعيًا، وذلك أن الناس اعتادوا السهر طَوَالَ ليالي رمضان غالبا، واعتاضوا عن نوم الليل بنوم الصبيحة وأول النهار أو أغلبه، فرأوا شغل هذا الليل بما يقطع الوقت، فأقبلوا على سماع الملاهي والأغاني، وأكبُّوا على النظر في الصور الفاتنة، والأفلام الخليعة الماجنة، ونتج عن ذلك ميلهم إلى المعاصي، وتعاطيهم شرب المسكرات، وميل نفوسهم إلى الشهوات المحرمة، وحال الشيطان والنفوس الأمارة بالسوء بينهم وبين الأعمال الصالحة، فصدوا عن المساجد ومشاركة المصلين في هذه العبادة الشريفة، فأفضلهم من يصلي الفريضة ثم يبادر الباب، والكثير منهم يتركون الفرض الأعظم وهو الصلاة، ويتقربون بالصوم مجاراة ومحاكاة لأهليهم، مع تعاطيهم لهذه المحرمات، وصدودهم عن ذكر الله وتلاوة كتابه، وذلك هو الخسران المبين، والله المستعان. |