وصلاة الاستسقاء سنة إذا اضطر الناس لفقد الماء. وتفعل كصلاة العيد في الصحراء، ويخرج إليها متخشعا متذللا متضرعا. فيصلي ركعتين، ثم يخطب خطبة واحدة، يكثر فيها: الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويلح في الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة. وينبغي قبل الخروج اليها: فعل الأسباب التي تدفع الشر وتنزل الرحمة: كالاستغفار، والتوبة، والخروج من المظالم، والإحسان إلى الخلق، وغيرها من الأسباب التي جعلها الله جالبة للرحمة دافعة للنقمة. والله أعلم. ثالثا: صلاة الاستسقاء: قوله: "وصلاة الاستسقاء: سنة إذا اضطر الناس لفقد الماء... إلخ): صلاة الاستسقاء هي : طلب السقيا، أي: أن يسقيهم الله تعالى، فإذا اضطر الناس لفقد الماء وغارت الآبار وجفت الأرض ويبست الأشجار، فإن الناس يستسقون، لأنهم يعلمون أنه سبحانه هو الذي يملك السقيا ويملك النفع، وهو الذي يسقيهم؛ لذلك تسن صلاة الاستسقاء إذا قحط المطر وتأخر عن أوانه. وصفتها كصفة صلاة العيد، وتفعل في الصحراء إذا تيسر، والا فيجوز أن تفعل في المساجد؛ لأن الصحراء أحيانا تكون بعيدة على بعض الناس، ولكن الأفضل أن تكون في صحراء، كصلاة العيد، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام "خرج اليها متخشعا متذللا متضرعا" ورد ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه أبو داود رقم (1165) في الصلاة، والترمذي رقم (558) في الصلاة، والنسائي (3 / 156) في الاستسقاء، وابن ماجه رقم (1266) في إقامة الصلاة وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (1046) وانظر بقيه من رواه في شرح الزركشي رقم (975). والتخشع هو الانكسار، والتذلل إظهار الذل والضعف، والتضرع إظهار الضراعة والاستكانة بين يدي الله سبحانه. وهي ركعتان مثل العيد إلا أنه لا يخطب فيها إلا خطبة واحدة، أما العيد فيخطب فيه خطبتين كما سيأتينا، ويكثر فيها من الاستغفار، ويقرأ الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، كقوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } [نوح: 10، 11] وكقوله: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } [هود: 52] وإرسال السماء مدرارا، يعني: بالمطر. ومنها أيضا قوله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33] فيستشهد بالآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، ثم يلح ويكثر من الأدعية ولا يستبطئ الاستجابة، فقد تتأخر الاستجابة فلا ينقطعون عن الاستسقاء، فيكرر بعد ذلك إلى أن يغيثهم الله تعالى. وصلاة الاستسقاء ينبغي أن يقدم قبلها شيئا من أسباب إجابة الدعاء، فهناك أسباب تدفع الشر وترفع البلاء وتنزل الرحمة، منها كثرة الاستغفار، وكثرة الدعاء، مثل: { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة: 286] ومثل: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً } [البقرة: 201] ومثل: "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"، ومثل: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] . وكذلك التوبة، كقوله: (نستغفر الله ونتوب اليه، اللهم تب علينا) ونحوه، وكذلك القراءة والذكر. والخروج من المظالم، من أسباب الاستجابة، لأن المظالم من أسباب الحرمان، فيحث الخطيب الحاضرين يوم الجمعة على أن يرد كل إنسان مظالمه ويستبيح إخوته، لكي لا يعاقبوا جميعا. كذلك الإحسان إلى الخلق، يعني: إيصال الخير اليهم كالصدقات وما أشبهها، فيتصدق على الفقراء، وقد ذكروا أن الصدقة تدفع الشر، وكانوا يؤمرون بالصدقة قبل أن يخرجوا إلى الاستسقاء؛ لتكون وسيلة من الوسائل التي تجاب بها الدعوة ويرحم الله تعالى بها العباد. وكذا الإحسان إلى الخلق بغير الصدقة، بدلالتهم على الخير ونفعهم، والشفاعة لهم، وبنصحهم وإنقاذهم من الشرور، وحثهم على أكل الحلال، وتحذيرهم من أكل الحرام، فإن ذلك من أسباب عدم إجابة الدعاء، وكذلك الالحاح في الدعاء. |