وصفة الصلاة عليه أن يقوم فيكبر فيقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يكبر فيدعو للميت، فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا. اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان أخرجه أحمد (2 / 368)، وأبو داود (3201)، والترمذي (1024)، وابن ماجة (1498)، وابن حبان (757- موارد). والنسائي (4 / 74)، والحاكم (1 / 358) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص 124، وهو في شرح الزركشي برقم (1050). . اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس أخرجه مسلم رقم (963) في الجنائز. . اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله هذه الجملة: "اللهم لا تحرمنا أجره ..." وردت في رواية أبي داود رقم (3201). وابن ماجه رقم (1198) في آخر الدعاء العام. . وإن كان صغيرا قال بعد الدعاء العام: { اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم } . ثم يكبر ويسلم. صفة الصلاة على الميت قوله: (وصفة الصلاة عليه: أن يقوم فيكبر فيقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ... إلخ): بعد ذلك يقدم للصلاة عليه، ويفضل أن الذي يصلي عليه وصيه، فإذا أوصى وقال: يصلي علي فلان فإنه يختار ويقدم، وإذا لم يوص صلى من هو معروف بالفقه والعلم. ذكر المؤلف في صفة الصلاة على الميت أربع تكبيرات: * فيكبر الأولى ويقرأ الفاتحة بالتسمية، فقد ثبت عن ابن عباس أنه قرأ في صلاة الجنازة الفاتحة وأسمع من خلفه، وقال: لتعلموا أنها سنة أخرجه البخاري رقم (1335) في الجنائز. فأفاد بأنها من السنة، وقد جعلوها ركنا، فقالوا: أركان الصلاة على الجنازة أربعة: الفاتحة، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والتكبيرات، والدعاء للميت، فلا بد من هذه كلها، فالفاتحة تعتبر ركنا، كما أنها ركن في الصلاة المعروفة. * وبعد التكبيرة الثانية يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- كالصلاة عليه في آخر التشهد، أي: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد... إلى قوله: إنك حميد مجيد". * وبعد التكبيرة الثالثة يأتي بالدعاء. والدعاء ينقسم إلى قسمين : دعاء عام، ودعاء خاص. * فالدعاء العام : أن يقول: { اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان } هذا هو الدعاء العام، يؤتى به في الصلاة على الكبير والصغير؛ لأنه يدخل فيه كل مسلم. * أما الدعاء الخاص : فهو الذي ذكر بعضه المؤلف، وهو حديث عوف بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على جنازة، قال: فحفظت من دعائه قوله: { اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار } رواه مسلم رقم (963) في الجنائز. هذا ما روي في هذا الحديث وفي بعضه زيادات. ويستحب أن يقول: { اللهم قه من عذاب القبر، وعذاب النار، ووسع له في قبره، ونور له فيه } ؛ لمناسبة ذلك. وروي عن الشافعي زيادة أدعية، مثل قوله: { اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، نزل بجوارك، وأنت خير منزول به، لا نعلم إلا خيرا } ومثل قوله: { اللهم أنت ربه، وأنت خلقته، وأنت هديته للإسلام، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا شفعاء فاغفر له } رواه أبو داود رقم (3200) في الجنائز. وحسنه الحافظ ابن حجر في "أمالي الأذكار"، كما ذكر ابن علان في الفتوحات الربانية (4 / 176)، وصححه الألباني في أحكام الجنائز (ص 125). ومثل قوله: { اللهم إن كان محسنا فزد له في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه } جزء من حديث أخرجه الحاكم (1 / 359) عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: "اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه". وأخرجه الطبراني في الكبير (22 / 249، 647). قال الحاكم: إسناده صحيح، ووافقه الذهبي. وله الشاهد رواه مالك في الموطأ (1 / 228) عن أبي سعيد المقبري أنه سال أبا هريرة كيف تصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا لعمر الله أخبرك: أتبعها من أهلها فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ثم أقول: "اللهم إنه عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، أن كان محسنا، فزد له في إحسانه، وإن كان مسيئا، فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وأخرجه البيهقي (4 / 40)، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني: وسنده موقوف صحيح جدا، انظر أحكام الجنائز ص 159. وهناك دعاء آخر عن واثلة بت الأسقع، قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رجل من المسلمين، فأسمعه يقول: اللهم أن فلان بن فلان في ذمتك، وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم". أخرجه أبو داود رقم (3202)، وابن ماجه رقم (1499)، وابن حبان (758)، وأحمد (3 / 471). وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار، وصححه ابن حبان، قال الألباني في أحكام الجنائز ص 158: إسناده صحيح إن شاء الله تعالى. . فيختار من الدعاء ما يناسبه، فقد روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- { إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء } رواه أبو داود رقم (3199) في الجنائز، وابن ماجه رقم (1497) في الجنائز، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه رقم (1216)، وذكره الزركشي برقم (1052). ولم يحدد دعاء، فدل على أنهم مأمورون بأن يجتهدوا له في الدعاء ويخلصوا له بما تيسر. * وأما إذا كان الميت طفلا فيستعمل الدعاء العام: { اللهم اغفر لحينا وميتنا... } سبق تخريجه ص 256، 257. إلى آخره، ثم بعد ذلك يأتي بهذا الدعاء: { اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا... } إلخ أما قوله: اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا فقد رواه البخاري عن الحسن بن علي بن أبي طالب تعليقا قال: يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله سلفا وفرطا وذخرا وأجرا). قال الحافظ في الفتح (3 / 242): في وصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن ...". قال الشوكاني في نيل الأوطار (4 / 55): (إذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلي: اللهم اجعله لنا سلما، وفرطا وأجرا، روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة، وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن). قال الألباني في أحكام الجنائز ص 161: حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن. والفرط هو: الذي يذهب أمام الوالدين يهيئ لهم المورد، قال -صلى الله عليه وسلم- { أنا فرطكم على الحوض } رواه البخاري رقم (6575) في الرقاق، ومسلم رقم (249) في الطهارة. أي: أتقدمكم أهيئ لكم المشرب. وعادة العرب إذا وردوا على الماء، أي: أقبلوا على المورد ومعهم دوابهم، أرسلوا واحدا معه حوض ودلو يهيئ لهم الماء، ويسمونه الفرط، كأنه تقدمهم؛ فلذلك يدعون أن يكون هذا الطفل فرطا لأبويه، أي: يقدمهما ليهيئ لهم المنزل الذي يأتونه، وهو الثواب في الآخرة. وقوله: (ذخرا)، يعني: مدخرا عند الله وشفيعا مجابا؛ لأنه ورد أيضا أن الأطفال يشفعون لآبائهم إذا ماتوا صغارا. وأما قوله : (اللهم ثقل، موازينهما)، ففي حديث عبد الرحمن الطويل أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: { ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه } جزء من حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل، قال السخاوي في القول البديع ص 124: أخرجه الطبراني في الكبير والديلمي في مسند الفردوس وابن شاذان في مشيخته مطولا، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو مختلف فيه. ورواه الطبراني من غير طريقه بسند ضعيف أيضا. ولد ضعف الحديث الذهبي في الميزان، وأخرجه القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات. وأورده ابن القيم في الوابل الصيب ص 167، وقال عنه: وفي هذا الحديث العظيم، الشريف القدر، الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه، يثير بذلك إلى صحته. وقال أيضا: رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب (الترغيب في الخصال المنجية، والترهيب من الخلال المردية). وبنى كتابه عليه وجعله شرحا له، وقال: هذا حديث حسن جدا، رواه عن سعيد بن المسيب: عمر بن ذر، وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث، وبلغني عنه أنه كان يقول: شواهد الصحة عليه. فدل على أن الأفراط الذين ماتوا وهم صغار يكونون سببا في ثقل موازين أبويهم. وأما قوله : "واجعله في كفالة إبراهيم"، وفي بعض الروايات: "وألحقه بصالح سلف المؤمنين". فقد جاء في حديث سمرة في الرؤيا التي رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { فأتينا على رجل طويل وعنده أطفال كثير أكثر ما رأيت، فقيل لي: أن الرجل إبراهيم، وأما الأطفال فإنهم أولاد المسلمين الذين ماتوا صغارا } جزء من حديث طويل رواه البخاري رقم (1386) في الجنائز، ورقم (47 70) في التعبير، ومسلم رقم (2275) في الرؤيا. فهم تحت كفالة إبراهيم. قوله: (ثم يكبر ويسلم): وهكذا اقتصر الشيخ -رحمه الله- على أربع تكبيرات لحديث عبد الله بن أبي أوفى، قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا". قال الألباني في أحكام الجنائز ص 160: أخرجه البيهقي (4 / 35) بسند صحيح. وقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كبر أحيانا خمس تكبيرات لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها". أخرجه مسلم رقم (957). وكذلك بعض الصحابة كبر ستا على ميت، وقال: إنه بدري لحديث عبد الله بن مغفل قال: "إن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف، فكبر عليه ستا، ثم التفت إلينا، فقال: إنه بدري. أخرجه الحاكم (3 / 409)، والبيهقي (4 / 36)، قال الألباني في أحكام الجنائز ص 143: وسندهم صحيح على شرط الشيخين. وعن موسى بن عبد الله بن زيد قال: "إن عليا صلى على أبي قتادة، فكبر سبعا، وكان بدريا). قال الألباني في أحكام الجنائز ص 144: أخرجه الفحاوي والبيهقي (4 / 36) بسند صحيح على شرط مسلم. وفي حديث عبد خير قال: "كان علي رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خمسا، وعلى سائر الناس أربعا. قال الألباني في أحكام الجنائز ص 144: أخرجه الطحاوي والدار قطني (191) ومن طريقه البيهقي (4 / 74) و!شده صحيح رجاله ثقات كلهم. قال ابن القيبم في زاد المعاد (1 / 508): وهذه آثار صحيحة، فلا موجب للمنع فيها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع مما زاد على الأربع، بل فعله هو وأصحابه من بعده". فدل على أنه يجوز الزيادة على أربع، ولكن المشهور الاقتصار على أربع. وفي صلاته -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي صلاة غائب، يقول أبو هريرة: صف بهم وكبر أربعا أخرجه البخاري رقم (1245، 1318، 1327، 1328، 1333، 3880، 3381)، ومسلم رقم (951). عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاري رقم (1334)، ومسلم رقم (952). عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. فلا يستنكر إذا زاد على الأربع كخمس أو ست في بعض الأحوال أو لبعض الأشخاص، فلو كانت الصلاة على كبير وصغير فإنه يندب أن يكبر خمسا حتى يكون الدعاء للميت الصغير بعد الرابعة. وإذا اقتصر على أربع تكبيرات فإنه يقف بعد الرابعة قليلا، واختلف ماذا يقول بعد التكبيرة الرابعة؟ وقد ذكر النووي أنه يقول: { اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله } سبق تخريجه صفحة 257. وهو الدعاء الذي ذكره المؤلف في آخر الدعاء، أي: أنه لا يسلم بعد الرابعة مباشرة بل يقف قليلا، فقد كان كثير من السلف يقفون بعد الرابعة يدعون حتى يخيل للناس أنهم سوف يأتون بخامسة لحديث أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه قال: (شهدته وكبر على جنازة أربعا، ثم قام ساعة -يعني: يدعو-، ثم قال: أتروني كنت أكبر خمسا؟ قالوا: لا، قال: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكبر أربعا". قال الألباني في أحكام الجنائز ص 160: أخرجه البيهقي (4 / 35) بسند صحيح. فلا شك أن هذا الوقوف لا بد فيه من دعاء، فليس هو وقوفا مع سكوت. أما التسليم : فالجمهور على أنه يقتصر على تسليمة واحدة نقصد بها الخروج من الصلاة، لكن لو سلم تسليمتين قياسا على بقية الصلوات فلا يستنكر ذلك، لوروده في بعض الأقوال عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " ثلاث خلال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلهن، تركهن الناس، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة " . يعني: تسليمتين. أخرجه البيهقي (4 / 43). قال النووي في المجموع (5 / 239): إسناده جيد. وقال في مجمع الزوائد (3 / 34): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وقال الأرناؤوط في شرح السنة (5 / 346): سنده حسن. . |