وقال: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين } متفق عليه رواه البخاري رقم (1325) في الجنائز، ومسلم رقم (945) في الجنائز. . قوله: وقال: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط... } إلخ: يندب للمسلم أن يحرص على صلاة الجنائز وعلى اتباعها، فكما أن من حق أخيك عليك أن تعوده في مرضه، فكذلك من حقه ومن حق أقربائه أن تشهد جنازته، وأن تصلي عليه، وأن تشيعه، حتى يتم تجهيزه، وحتى يتم دفنه، ولك في ذلك أجر، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قالوا: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين من الأجر } انظر تخريجه في المتن. أي: أن أجرا كبيرا، كأنه يحصل له ما يساوي هذا الجبل، ولا نعلم ما كيفية هذا القيراط، ولا من أي شيء، ولكنه مقداره من الأجر. والعادة أنهم كانوا يصلون على الأموات في البقيع قرب المقبرة، لكنها دونها، فيأتون ثم يصفون هناك ويصلون عليه ثم يحملونه إلى القبر، ولكن قد لا يتيسر لكل أحد أن يشيعه يذهب إلى المقابر؛ فلأجل ذلك اختير الصلاة عليه في المساجد التي يجتمع فيها المصلون، فليس كل منهم يتفرغ لتشييعه واتباعه، ولكن من يشيعه ويتبعه حتى يدفن له هذا الأجر من الله مع ما فيه من أداء لحق أخيه المسلم، ومع ما فيه أيضا من أداء لحق أقربائه، فإنهم إذا رأوك تشيعه وتتبعه عرفوا بذلك مودتك وصداقتك ومحبتك لهم، وذلك مما يسبب المحبة بين المسلمين. التربيع في حمل الجنازة لما تكلم العلماء على حمل الجنازة، قالوا: إن الأصل أنهم يحملونها على الأكتاف، كما ذكرنا في بعض الأحاديث، وقالوا: يسن التربيع في حمله لحديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنها من السنة، ثم إن شاء فليتطوع، وإن شاء فليدع. أخرجه ابن ماجه رقم (1478)، والطبراني في الكبير (9597)، والبيهقي (4 / 19). وغيرهم. قال في الزوائد: رجال الإسناد ثقات، لكن الحديث موقوف، حكمه الرفع. أي: أن العدد الذي يحمله أربعة، فالتربيع هو أن تبدأ بطرف العمود الأيسر المقدم، فتضعه على منكبك الأيمن وتحمله قليلا، ثم إذا أخذه منك آخر تأخرت وحملت طرفه المؤخر الأيسر أيضا على منكبك الأيمن، ثم انتقلت إلى مقدم طرف السرير الأيمن فتحمله على منكبك الأيسر، ثم تتأخر وتحمل مؤخره على منكبك الأيسر، فتكون كأنك قد حملت الجنازة؛ لأنك حملت ربعا ثم ربعا ثم ربعا ثم ربعا. وأباح بعضهم أن يحمل بين العمودين، والعمودان هما المقدمتان أي لو حمل ما بينهما أو حمل في الوسط، فكل ذلك جائز ومن السنة. وتكلم العلماء أيضا على المشيعين، ففي ذلك الوقت كان المشيعون مشاة غالبا، وقد يكون بعضهم ركبانا، يركب أحدهم على فرس أو على حمار أو على بعير، فقالوا: يسن أن يكود الركبان خلفها، والمشاة أمامها، ويجوز العكس، وكان كثير من الصحابة أحيانا يمشون أمام الجنازة، وأحيانا يمشون خلفها، والمشي خلفها أولى؛ لأن ذلك هو الاتباع لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشوا أمام الجنازة وخلفها. أخرجه ابن ماجه رقم (1483). قال الألباني في أحكام الجنائز ص 95: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأيضا يجوز المشي عن يمينها وعن يسارها، لحديث المغيرة بن شعبة، قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي حيث شاء، خلفها وأمامها، وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها...". أخرجه أبو داود رقم (3180). والترمذي (1031)، وابن ماجه (1481)، وأحمد (4 / 247، 248، 249، 252)، والبيهقي (84، 25). قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، ووافقه الألباني في أحكام الجنائز ص 95. والأفضل الاتباع وهو المشي خلفها، فهو ما دلت عليه الأحاديث (واتبعوا الجنائز). . دفن الميت: عندما ينزل الميت إلى القبر يدلى برأسه قبل رجليه في القبر، ولا يدلون رجليه أولا مخافة أن يتحرك بطنه ويخرج منه شيء، فيسن أن يدلى على رأسه، ثم يوضع على جنبه الأيمن ويوجه إلى القبلة، ثم يوضع اللبن على اللحد. واللحد أفضل من الشق واللحد هو المعروف الآن، والشق هو أن يشق في وسط القبر حفرة ويوضع فيها اللبن وضعا، وذلك جائز، ولكن اللحد أفضل، وفي حديث سعد أنه قال: { ألحدوا لي لحدا، وأنصبوا علي اللبن نصبا، كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه مسلم رقم (966) في الجنائز. . ويسن عند إدخاله في القبر أن يقولوا: { بسم الله، وعلى ملة رسول الله } رواه الترمذي رقم (1046) في الجنائز، وأبو داود رقم (2313) في الجنائز، وابن ماجه رقم (0 155) في الجنائز، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه رقم (1260). محافظة على السنة؛ لأن هذا من السنة. ويسن لهم إذا انتهوا من صف اللبن ووضعوا عليه الطين البداءة بالدفن، فيسن أن تحثو عليه ثلاث حثيات -أن تيسر- من قبل رأسه، وتقبض قبضه من التراب وتلقيها وتقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات، تلك السنة، وإن زدت فوق ذلك فلا بأس. |