س 15: بعض أئمة المساجد يرددون آيات الرحمة وآيات العذاب ثلاث مرات، أو أربع مرات، أو أكثر بقصد الخشوع، وإبكاء المصلين فما مدى موافقة ذلك للسنة؟ وهل أثر عن السلف؟ وهل كانوا يقتصرون على البكاء في آيات الجنة والنار أم الدليل يفيد ما هو أعم من ذلك؟ وما هي نصيحتكم للأشخاص الذين يبكون عند الدعاء ولا يبكون عند سماعهم الآيات؟ ج 15: يجوز ترديد الآية للتدبر قال النووي في التبيان: (عن أبي ذر ) قال: { قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بآية يرددها حتى أصبح، والآية: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } } رواه النسائي وابن ماجة أخرجه النسائي في سننه 1010، وابن ماجه في سننه 1350، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان عن قدامة بن عبد الله حدثتني جسرة بنت دجاجة، قالت: سمعت أبا ذر يقول... إلخ. قال: البوصيري في المصباح 1/477: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات. اهـ. وقال العراقي في تخريج الإحياء: رواه النسائي وابن ماجه بسند صحيح. اهـ. وفي هذا نظر، فقدامة بن عبد الله ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر مقبول. وجسرة بنت دجاجة العامرية، روى عنها جمع، وذكرها -أيضا- ابن حبان في الثقات. قال البخاري: عند جسرة عجائب، وقال ابن حجر: مقبولة. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، في كتاب الصلاة، باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة. وابن أبي شيبة في مصنفه 2/224. والإمام أحمد 5/ 156- 170- 177، وابن نصر في قيام الليل 148، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/347، والبيهقي في الشعب 1/482، والبغوي في شرح السنة 4/26. والحاكم في مستدركه 1/ 241، وصححه، ووافقه الذهبي. والحديث حسن. فله شواهد منها ما أخرجه الترمذي 448 عن أبي بكر محمد بن نافع عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن إسماعيل بن مسلم، عن ابن المتوكل عن عائشة قالت: "قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بآية من القرآن ليلة" ورجاله رجال مسلم. وله شاهد آخر، أخرجه أحمد 3/62 من حديث أبي سعيد. . (وعن تميم الداري) أنه كرر هذه الآية حتى أصبح: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/224، عن وكيع، عن سفيان عن حسين، عن أبي الضحى، عن مسروق، أن تميما الداري، ردد هذه الآية.. والطبراني في الكبير 2/ 50 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: قال لي رجل من أهل مكة، هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته قام ليلة، حتى أصبح أو قرب أن يصبح، يقرأ آية من كتاب الله -عز وجل- فيركع، ويسجد، ويبكي { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ } وأخرجه عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن أبي كريب، عن معاوية، عن ابن هشام عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق. ورجال ثقات. وأخرجه ابن المبارك في الزهد، باب ما جاء في فضل العبادة وابن الجعد في مسنده 1/ 294، كلاهما عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي الضحى عن مسروق. والإمام أحمد في الزهد 182، من طريق حصين، عن أبي الضحى، عن تميم وابن نصر في قيام الليل 149. وأبو عبيد في فضائل القرآن 68، عن يزيد بن هارون، عن شعبة. ومن طريق هشيم، عن حصين. والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/348، عن أبي بكرة، عن أبي داود عن شعبة. وأخرجه وكيع في الزهد 1/388، 389. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة 1/186: رواه البغوي في الجعديات بإسناد صحيح إلي مسروق اهـ. والأثر إسناده صحيح. . وذكر أن أسماء -رضي الله عنها- كررت قوله - تعالى- { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن 69 قال: وحدثت عن أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة، عن أبيه عن جده، قال: " افتتحت أسماء ابنة أبي بكر، سورة والطور، فلما انتهت إلى قوله- تعالى-: { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت وهي تكررها { وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } قال: وهي في الصلاة. وابن نصر في قيام الليل 149 عن عبد الوهاب بن عباد، عن أبيه، عن جده، بنحوه، والإسناد فيه مجهول، فأبو عبيد قال: حدثت، ولا يُعلم من حدثه. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 2/55 عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، قال: دخلت على أسماء وهي تصلي فسمعتها وهي تقرأ هذه الآية { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } فاستعاذت فقمت وهي تستعيذ، فلما طال علي أتيت السوق، ثم رجعت وهي في بكائها تستعيذ". وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن نصر في قيام الليل 131. . طويلا، وردّد ابن مسعود { رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن 68، عن ابن عون، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة أن عبد الله بن مسعود صلى ليلة، قال: فذكروا ذلك فقال بعضهم: هذا مقام صاحبكم منذ الليلة يردد آية حتى أصبح ". قال ابن عون: بلغني أن الآية: { رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } والإسناد فيه رجل مجهول، فابن عون قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، ولا يعلم من هو! فالأثر ضعيف بهذا الإسناد، والله أعلم. . وردد سعيد بن جبير { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } أخرجه الإمام أحمد في الزهد 513، عن يزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيد، عن القاسم بن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرة: { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } وابن نصر في قيام الليل150، وابن أبي شيبة 7/203، وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الإمام أحمد 4/272. وأبو عبيد بإسناده عن يزيد، عن أصبغ بن زيد عن القاسم. والإسناد حسن، لحال أصبغ بن زيد، قال ابن حجر: صدوق يُغْرِب، قال أحمد: ليس به بأس ما أحسن رواية يزيد عنه. وقال ابن معين: ثقة. وردد -أيضا- { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ } أخرجه ابن أبي شيبة 2/224، عن وكيع عن سعيد بن عبيد، قال سمعت سعيد بن جبير وهو يصلي بهم في شهر رمضان يردد هذه الآية: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } وإسناده صحيح. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 4/272، من طريق قتيبة بن سعيد عن عبد الواحد بن زيادة عن سعيد بن عبيد، قال: كان سعيد بن جبير إذا أتى على هذه الآية: { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ } رجع فيها ورددها مرتين أو ثلاثا. وأخرجه بسند آخر. وأخرجه ابن نصر في قيام الليل ص 150. ووكيع في الزهد 1/392 عن سعيد بن عبيد الطائي، قال: سمعت سعيد ابن جبير يردد هذه الآية، وهو يؤمهم في شهر رمضان..." والأثر صحيح. وردد أيضا: { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } التبيان 114. . وكان الضحاك إذا تلا قوله -تعالى- { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } رددها إلى السحر التبيان 114. . اهـ. ومن هذه الآثار يعلم أن القارئ يردد هذه الآيات الوعظية لتأثره بها. وليس لتأثيرها في غيرها، ولكن لا مانع من الأمرين. وأما البكاء عند سماع القرآن فهو صفة العارفين، وشعار الصالحين، كما قال -تعالى- { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } وقد ورد في الحديث: { اقرءوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا } أخرجه ابن ماجه في سننه 1337، من طريق الوليد بن مسلم عن أبي رافع، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن بن السائب، قال: قدم علينا سعد بن أبي وقاص، وقد كف بصره، فسلمت عليه، فقال: من أنت؟ فأخبرته، فقال: مرحبا بابن أخي، بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به، فمن لم يتغن به، فليس منا " وأبو يعلى في مسنده 1/ 330 بالطريق نفسه، والبيهقي في السنن. وفي الشعب، 2/363 بالإسناد نفسه، قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/277: إسناده جيد اهـ. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: في إسناده أبو رافع، اسمه إسماعيل بن رافع، ضعيف متروك. اهـ وتابع إسماعيل بن رافع، عبد الرحمن بن عبيد بن أبي مليكة. عند القضاعي في مسنده 2/208. وفي الباب عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا أيها الناس ابكوا، فإن لم تستطيعوا، فتباكوا" ... الحديث أخرجه البغوي، في شرح السنة 15/253. من طريق عبد الله بن المبارك، عن عمران بن زيد التغلبي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس. والإسناد ضعيف، لضعف يزيد، قال ابن عدي في الكامل 7/258 وليزيد الرقاشي: أحاديث صالحة، عن أنس وغيره، ونرجو أنه لا بأس به برواية الثقات عنه، من البصريين، والكوفيين وغيرهم. اهـ. قال الإمام أحمد: ليس ممن يحتج به. وفي الباب عن عبد الملك بن عمير، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة، فقرأ فلم يفعل ذلك أحدٌ منهم، فقال -أيضًا-: فلم يفعل ذلك أحدٌ منهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة فإن لم تبكوا فتباكوا" . أخرجه البيهقي في الشعب 2/363، وقال: هذا مرسل. اهـ. وهو كما قال وفي الباب -أيضًا- عن جرير، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلفظ مقارب وفيه: "إني قارئ عليكم سورة ألهاكم" ... أخرجه البيهقي في الشعب من طريق إبراهيم بن محمد الفريابي، عن سلام بن واقد، عن أبي جمرة السكري عن أبي إسحاق الهمداني عن جرير. قال البيهقي: وهذا إسناده ضعيف، بمرة تابعه محمد بن إبراهيم بن محمد الفزاري، عن إبراهيم بن محمد الفريابي. اهـ. وأخرج الطبراني في الكبير من طريق معمر بن الحسن عن بكر بن خنيس عن أبي شيبة، عن عبد الملك بن عمير عن جرير، بلفظ مقارب، وفيه: "إني قارئ عليكم آيات من آخر سورة الزمر" ... قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه بكر بن خنيس، وهو متروك. اهـ. وقال ابن كثير: هذا حديث غريب جدًا. اهـ. وورد موقوفا على أبي بكر الصديق، أخرجه وكيع في الزهد 29 عن مسعر، عن أبي عون الثقفي، عن عرفجة السلمي، قال: قال أبو بكر: "ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا". ومن طريق وكيع، أخرجه أحمد في الزهد 162، وابن أبي شيبة. ورجاله ثقات، غير عرفجة، وهو ابن عبد الله الثقفي أو السلمي، ذكره العجلي في الثقات 331، وقال: كوفي، تابعي، ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر: مقبول. وقد ورد -أيضا-. موقوفا على أبي موسى، كما أخرج ذلك أبو نعيم في الحلية 1/ 261. وورد موقوفا على غيرهما. قال الحافظ ابن قيم الجوزية في زاد المعاد 1/185، وهو يعدد أنواع البكاء: "وما كان منه مستدعي متكلفا، فهو التباكي، وهو نوعان: محمود، ومذموم. فالمحمود: أن يستجلب لرقة القلب، ولخشية الله، لا للرياء والسمعة. والمذموم: أن يجتلب لأجل الخلق، " وقد قال عمر بن الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقد رآه يبكي هو وأبو بكر، في شأن أسارى بدر: أخبرني ما يبكيك يا رسول الله؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما "، ولم ينكر عليه -صلى الله عليه وسلم- وقد قال بعض السلف: ابكوا من خشية الله، فإن لم تبكوا فتباكوا. اهـ. أقول: والحديث الذي ساقه ابن القيم -يرحمه الله- في شأن أسارى بدر هو في صحيح مسلم، في كتاب الجهاد، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر. . وكان عمر إذا قرأ في الصلاة يبكي، حتى تسيل دموعه على ترقوته، وحتى يسمع بكاءه من وراء الصفوف أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/114، عن ابن عيينة، عن إسماعيل ابن محمد بن سعد، قال: سمعت عبد الله بن شداد، قال: سمعت نشيج عمر، وأني لفي الصف خلفه في الصلاة، وهو يقرأ سورة يوسف حتى انتهى إلى: { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ } وقال محقق مصنف عبد الرزاق الشيخ حبيب الرحمن، في الحاشية: "كذا في الأصل، وإسماعيل هذا، وإن كان حفيد ابن أبي وقاص، ولكني أرى أن الصواب إسماعيل بن محمد عن سعد، كما في (ش) وهو سعد ابن إبراهيم، وهو يروي عن عبد الله بن شداد، وأما إسماعيل فلا أدري أيروي عن عبد الله بن شداد أم لا"!!؟ أقول هذا وهم، فإسماعيل بن محمد بن سعد، حفيد سعد بن أبي وقاص، قد روى عن عبد الله بن شداد، كما ذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال 3/ 190، وابن الأثير في أسد الغابة م 3، والخطيب البغدادي في تاريخه 9/473. وذكر الحافظ الذهبي في السير 8/454، في ترجمة سفيان بن عيينة، أن من شيوخ سفيان، إسماعيل بن محمد بن سعد. وعلى ذلك فالإسناد صحيح، وهو من رواية إسماعيل بن محمد بن سعد عن عبد الله بن شداد. وقد بوب البخاري، باب إذا بكى الإمام في الصلاة، ثم أورد هذا الأثر تعليقا 1/252. وقال الحافظ في الفتح 2/242: وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن محمد بن سعد.. وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير، عن عمر نحوه. اهـ. وأخرجه البيهقي في الشعب 2/364، وسعيد بن منصور، وابن سعد وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1/52، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: " صليت خلف عمر، فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف ". وأخرج هذا الأثر غير من ذكرنا، وهو صحيح. . وثبت في الصحيح { أن ابن مسعود قرأ على النبي -صلى الله عليه وسلم- من سورة النساء إلى قوله -تعالى- { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } قال: حسبك الآية. قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان } صحيح البخاري، في كتاب التفسير رقم 4306، وفي كتاب فضائل القرآن رقم 4762، 4763. وصحيح مسلم، 800 في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن. . وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كثير البكاء، وكان في خديه خطان من البكاء أخرجه الإمام أحمد في الزهد 178 عن المطلب بن زياد عن عبد الله بن عيسى وأبو نعيم في الحلية 1/ 51، عن كريب، عن عبد المطلب، عن عبد الله بن عيسى. والإسناد صحيح إلى عبد الله بن عيسى وهو بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ولكنه منقطع، فعبد الله بن عيسى، لم يدرك عمر. وأورد هذا الأثر ابن الجوزي في صفة الصفوة 1/148. وقال أبو رجاء رأيت ابن عباس وتحت عينيه مثل الشّراك البالي من الدموع أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/329، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال: حدثني أبي، ويحيى بن معين، قالا: ثنا معمر، عن شعيب، عن أبي رجاء، قال: كان هذا الموضع من ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- مجرى الدموع- كأنه الشرك البالي ". والإسناد صحيح، وقد وقع في المطبوع معمر، وأظنه -والله أعلم- تصحف من معتمر وهو معتمر بن سليمان، وأخرجه ابن نصر في قيام الليل، باب البكاء عند قراءة القرآن 144. وأورده ابن الأثير في أسد الغابة 2/ 292 قال: وقال المعتمر بن سليمان، عن شعيب بن درهم، قال: كان هذا المكان -وأومأ إلى مجرى الدموع من خديه- من خَدَّي ابن عباس مثل الشراك البالي، من كثرة البكاء". وأورده الذهبي في السير 3/352، عن معتمر بن سليمان، عن شعيب، عن أبي رجاء. والآثار في هذا كثيرة، يعلم منها أن بكاء السلف كان عند سماع القرآن، ولكن كانوا -أيضا- يبكون عند سماع المواعظ، ففي حديث العرباض قال: { وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون } الحديث أخرجه الإمام أحمد 4/126، 127، وأبو داود في سننه 4607، والترمذي 2678، وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه 42، والدرامي 1/ 44 وصححه ابن حبان. والحديث صحيح. . فينبغي الخشوع والبكاء أو التَّباكي، عند سماع آيات التخويف، وآيات العذاب، وكذا عند المواعظ التي تشتمل على تذكير وتنبيه، سواء كانت من الأدعية أو الأدلة، وينبغي أن يعلم أن البكاء هو أثر الخشوع، وحضور القلب، وأثر التفكر والتأمل لما يسمعه من الآيات التي تتعلق بالآخرة، سواء في ذكر الجنة والنار، أو ذكر الموت وما بعده، أو ذكر العقوبات والمثلات الدنيوية، وكذا ما تشتمل عليه الأدعية في القنوت أو غيره من ذكر الرغبة والرهبة، والإلحاح في الطلب، فمتى أحضر السامع قلبه، وتدبر معاني ذلك، رق قلبه ودمعت عيناه، وليس ذلك خاصا بدعاء القنوت، بل يعم كل ما اشتمل على الوعظ والتخويف من المسموعات والمرئيات، والله المستعان. |